23 ديسمبر، 2024 12:22 ص

جحيم الأيام . الحلقة الاولى

جحيم الأيام . الحلقة الاولى

وعاد القلم من جديد يرسم خطوط الحياة البيانية بعد أن جف عن الحركة وتوقفت عناصر الحياة الكامنة فيه أحد عشر عاماً. سنوات عجاف حدثت فيها تحولات خطيرة, تقطعت فيها جذور كثيرة وذاقت فيها فئات بشرية سيل عارم من المعاناة وطوفان من ألآلام. السطور التي قد يقرأها إنسان ما في زمن ومكان ما هنا، لايمكن أن نُطلق عليها كلمة روايه ولايمكن أن نطلق عليها كلمة مذكرات أو بعض العناوين ألأخرى. إنها مجرد ولادة عسيرة لمعاناة مديدة في زمن جفت فيه كل معاني ألأنسانيه وفترة تحجرت فيها القلوب واُخرست فيها ألألسن وأصبحت الحياة مجردة من معانيها المالوفة وتحول ألأنسان الى آله تتحرك، تأكل، تنام، ولكنها خالية من معانيها السامية وبعيدة عن الخطوط الحية التي رسمتها لها الطبيعة وقانون الحياة.

لقد عشتُ مفردات صغيرة وكبيرة طيلة تلك السنوات العجاف ، أولنقل طيلة تلك الحقبة المرعبة الممتدة من عام واحد وتسعون وتسع مائة والف الى لحظة قيام هذا القلم من رقدته الطويلة التي بدأت منذ أن غادر هذا الجسد أرض الحب والحنان والسعادة وألامان لينتقل رغما عنه الى أرض يمكن أن نطلق عليها – أرض التيه- . عادة تكون البداية صعبه في كل مرة يحاول فيها المرء أن يشرع بشيء جديد.. بيد أن المضي قدما في ذلك الشيء قد يجعله يسهل رويدا رويدا وهذا مايحدث لي ألأن. أشياء لاتعد ولاتحصى تتراكم هنا في ذاكرتي المرهقة، وكل مفردة من تلك المفردات تحاول التغلب على ألأخرى كي تشق طريقها..كي تطفو على سطح الورقة.

عزيزي القاريء ، التمس اليك أن تتحلى بالصبر وأنت تلتهم هذه المفردات…من يدري قد تكون هناك فائدة قابعة بين أحدى العبارات..وقد تكون هناك حقيقة تاريخية خافية بين طيات أحد السطور..قد يكون لها دور مؤثر في سير حياتك يوما ما. وفي نهاية المطاف إنك لن تخسر شيء حينما تطالع ماحدث لفئة بشرية ضمن حقبة زمنية معينة.

 

………ثامر محمود مراد……. 6/5/2002م

الفصل ألأول

” الليلة العصيبة”.

دخلتُ صفا إعتياديا لمدرسة إبتدائية في تمام الساعة العاشرة ليلاً. كان زميلي الجندي أحمد يرقد بطريقة مضطربة بعض الشيء على إحدى المناضد المدرسية لتلك المدرسة ألأبتدائية المستقرة في قلب مدينة الشورجة في محافظة كركوك. وقفتُ قريبا منه أتطلع الى تلك الطريقة المضحكة بعض الشيء وهو يضع فيها رأسه على يديه ويحاول أن يحلم أحلاما سعيدة في تلك ألأغفاءه غير المريحه. هل أتركه يواصل نومه أم ادفعه بقوه كي ينهض ليحل محلي في بوابة الوحدة العسكرية التي إتخذتْ من تلك المدرسه مقرا لها؟ حقا كنت مترددا في إتخاذ ذلك القرار. كانت ألأصوات الغريبة التي تخرج من منخريه ترسل نوعا من الشرارات المؤثرة على مواقع الضحك في ذهني فتجعل إمكانية السيطرة على فكري شيء مستحيل، حاولت أن أتمالك نفسي كي لاأنفجر ضاحكا ولكن دون جدوى.. وفي نهاية المطاف إنفجرتُ ضاحكاً رغماً عن أنفي . قفزَ أحمد من رقدتة غير المريحة وهو يصرخ بصوت مرتعب:

–” ها..ها..جاؤا..هجموا؟”أخذ ينظر الي بقلق شديد وهو يفرك عينيهِ. توقفتُ عن الضحك وظهرتْ علامات الحزن والتأثر على روحي فجأة . شعرتُ ببعض الحرج وأنا أشاهد بعضاً من الخطوط الغريبة التي كانت قد إرتسمت على وجهه. صرختُ بطريقة حاولتُ فيها أن أظهر بعض الود:

–” من هم الذين جاءوا؟ ماذا تقصد بكلمة – هجموا-“؟. فرك عيناه بتثاقل..دقق النظر الى ساعته. قال بهدوء:

–” إعتقدتُ أن البيش مركه قد هجموا علينا. ياالهي … ياله من كابوس مزعج !.

دون أن ينتبه الى علامات التأثر التي حطت عصا ترحالها على وجهي . نهض بتثاقل. علق بندقيتة على كتفة وشدَّ صدرية الرصاص على صدرهِ وهو يقول :

–” سأذهب الى بوابة المدرسة .. حاول أن تنام بملابسك كلها.. من يدري قد يحدث شيئا ما”. صمت قليلاً ، أدار نظراتة الى كل زاوية من زوايا ذلك الصف الدراسي وتحسَّر بصوتٍ مسموع وكأنهُ يحسدني على جلوسي فوق نفس المنضدة التي كان قد نام عليها قبل قليل .إختفت خطواتة وهو يتوجه ناحية البوابة الخارجية لبناية المدرسة حيثُ وقفت شامخة وسط المدينة الصامتة . حاولتُ أن أخلد الى النوم أو لنقل أجبر نفسي على النوم—فقد كانت تلك الليلة حسب تعليمات السيد ألآمر—ليلة حرجة حسب الطريقة التعبوية لسياقات القوانين العسكرية. ليلة تحسب وإنتظار حدوث شيء ما ربما يكون له دور مهم في مصير الوحدة العسكرية التي أنتمي اليها أو باقي الوحدات التي إنتشرت على مناطق مختلفة من المدينة . وضعتُ رأسي فوق يدي اليمنى في حين بقيتْ يدي اليسرى تحتضن البندقية الى جسدي الذي كان ألأرهاق قد شق فيه طريقاً طويلاً . كنا سبعة جنود فقط أو ربما أقل من هذا العدد . لم يلتحق بقية الجنود بعد عودتنا من أرض الكويت . لاأدري هل أن بعضهم قد تمزق جسده في الصحراء أثناء الغارات الجوية ألأمريكية على الجيوش المنسحبة في نهاية شهر شباط ، أم أن قلة تواجد وسائل النقل وتهشم الجسور هو الذي منعهم من الألتحاق . أشياء كثيرة كانت تدور في ذهني وأنا اضع رأسي فوق يدي اليمنى.

دون وعي إنتقل ذهني الى مملكتي الصغيرة واقصد – البيت–. تراءت لي صوراً مؤثره الى حد ما. صورة أولادي الثلاثة الصغار. ألابن ألأكبر- خمس سنوات وألأبن ألاخر ثلاث سنوات والبنت الصغيرة سنتان . جلسوا مع بعضهم البعض بطريقة متلاصقة وسط الغرفة الباردة جدا رغم توهج المدفأة القديمة. كنت أخرج من غرفة ألأستقبال لأدخل غرفة النوم ثم أتوجه الى المطبخ بعدها أعود الى الغرف ألأخرى محاولا إخفاء بوادر القلق التي ظهرت على وجهي وأنا أحاول ترتيب ملابسي العسكرية وأحاول ان أتصرف بطريقة طبيعية تطرد بوادر الشك التي كانت ترتسم على وجوه أبنائي الصغار. كانوا يتطلعون اليّ بطريقة ممزوجة بالأعجاب لتلك ألأشياء العسكرية التي كنتُ أرتديها ولذلك الحذاء الضخم نوعا ما وتلك الفروة الدافئة وتلك البندقية الكبيرة. وتارة أخرى تنعكس على وجوههم صورة من صور الخوف ..من المجهول..صورة تنبؤ لامحدود تخبرهم من أن ثمة شيء ما قد يحدث لوالدهم . وأنا احمل الحقيبة من على ألأرض قال ولدي الكبير ذو الخمس سنوات ” بابا هل أنت ذاهب ألأن؟”.

… توقفتُ قليلاً وأرسلتُ نظراتي الى وسط عينيه . لم أنبس ببنت شفه. شعرتُ أن تلك العبارة قد رسمت لي سؤالاً مبهماً . لم يفعل ذلك من قبل. لم يستيقظ أبدا في مثل تلك الساعة المبكرة من الصباح طيلة تواجدي في الخدمة العسكرية . الغريب أنه كان لايطيق أشقاءه ألاصغر منه سناً. كانا بمثابة عدوان لدودان له وكان يشعر أنهما يسلبان جزءا من الحب الذي كان والده يغدق عليه. ولكن جلسته الغريبة مع كل من أخيه وأخته في تلك اللحظة وذلك الشكل قد جعل الشك والحيرة تنسلان الى قلبي بطريقة لاإرادية . دون وعي قلتُ له:

..” نعم ..سوف أذهب لأتسرح من الخدمة العسكرية”.

..” ولكنك تسرحت من الجيش ، لقد جئت قبل إسبوعين”. توقفتُ عن الحديث معه. كان الثلاثه ينظرون اليّ بصمت. كان مشهداً مؤثراً جدا بالنسبة لي . خرجتُ من باب المطبخ. توقفتُ قليلاً. نظرتُ الى زوجتي التي كانت تنظف بعضاً من ألأطباق الزجاجية بَيْدَ أن حركة أناملها وألأصوات غير المألوفه لحركة ألأطباق كانت تدل على أنها لم تكن تنظفها بل كانت تحاول إخفاء حالة خاصة من الرعب الحقيقي الذي كان يسيطر على كل جزء من أجزاء جسدها النحيف. نظرتْ ناحيتي وقد ظهر شيء غريب في عينيها…وأرادت أن تقول شيئا ً ما، وحاولتُ بدوري أن أقول لها ” الى اللقاء” ولكن كل ذلك ذهب أدراج الرياح. كان الموقف بالنسبةِ لي أقوى من التركيبة الفسيولوجية للجسد البشري. لم أستطع أن أودع والدتي رحمها الله فقد كنتُ غير قادراً على دق باب غرفتها في ذلك الصباح الباكر…ودعتها الى ألابد فقد فارقتْ روحها الطاهرة الحياة بعد شهرين من غيابي . ماتت حزنا وهما وغما لشدة فراقي.

حينما أصبحتُ خارج البيت ، دون وعي التفتُ الى الوراء ..كان مشهد البيت من الخارج حزيناً كئيباً وكأنني اودعهُ ومن فيه الوداع ألأخير. توقفتُ عند حافة الشارع مع” طارق” أحد أقربائي ننتظر سيارة ما تنقلنا الى منطقة العلاوي في بغداد ومن هناك نذهب الى وحدتي العسكرية في كركوك . كانت رياح الصباح بارده نسبيا على الرغم من قدوم فصل الربيع . لم تكن الشمس قد ظهرت في ألأفق بعد. حركة السيارات قليلة جداً لا بل تكاد تكون معدومة تماماً. نظر اليّ طارق— جندي القوات الخاصة الذي كان هو ألأخر يروم الذهاب الى وحدته العسكرية في نفس المحافطة التي كنتُ أريد التوجه اليها في تلك اللحظة. قال بهدوء:

..” إذا لم نجد سيارة في غضون عشرة دقائق نعود الى البيت على أن نذهب غداً. لا توجد سيارات في هذا الظرف الصعب الذي يمر فيه البلد”. نظرتُ اليه وكأنني كنت قد وجدتُ ذريعة مناسبة للعودة الى البيت . تمنيتُ أن تنقطع حركة المرور في ذلك الصباح تماماً. ولسوء الحظ أو لحسن حظنا توقفت سيارة أجرة أمامنا قبل أن تنتهي فترة العشرة دقائق. أسرعنا اليها. عندما إستقريتُ في المقعد المخصص لي سافرت أفكاري بعيداً وأمتدت نظراتي نحو ألأفق البعيد. مرت السيارة بعد لحظات من أمام ثانوية نبوخذ نصر للبنين. أحسستُ أن روحي قد تعلقت بأحد المنازل القريبة منها—حيثُ كان بيت أخي يقع الى جوارها. تمنيت أن أهبط منها لا بل أطير من خلال نافذتها القريبة وأحط على منزل شقيقي الذي ترعرعت وكبرتُ فيه. شعرت أنني ألقي النظرة ألأخيرة على جثة هامدة تكومت بين أنقاض النفايات وركام المنازل المهشمة على إثر غارة جوية حاقدة. دبّ الى قلبي طيف لايقاوم من الرغبه الى نحيب طويل . تلاشت معالم البيت خلفي وفي النهايه إختفى الى ألأبد. ظلت السيارة تشق عباب الصمت في ذلك الصباح الكئيب. تطلعتُ الى طارق فوجدتُ وجههُ ألاسمر قد إعتراه صمت لايقاوم وإرتسمتْ على محيّاه علامات حزن دفين . توقفت السيارة عند جسر المشاة القريب من منطقة العلاوي. ترجلنا بكسل وكأننا نُساقُ الى حتفنا المجهول. المنطقه غريبة جدا..أقصد لم تكن على حالتها ألأعتيادية اليومية قبل القصف الجوي على بلدنا الحبيب . قبل الهجوم كانت منطقة العلاوي في ذلك الوقت المبكر كأنها مدينة أعراس زاهية أو كأنها منطقة قد خُصصت للحياة بكل معنى الكلمة. حيث يجد المرء باعة المأكولات الشهية منتشرين في كل ركن من أركانها، وباعة الشاي يفترشون ألأرض وتدعوك رائحة الشاي من كل حدب وصوب. ياالهي كم أن تلك المنطقة تستهوينني منذ عام 1977 حينما كنت طالبا في كلية ألأداب. إعتدتُ أن أحط فيها كأنني طير قادم من بين الوديان والسهول الخضراء لأجد فيها ضالتي المنشودة كل صباح . كنتُ أترك قريتي الصغيرة—قرية آل عويف–، في الخامسه صباحا وعند السادسه أكون في منطقة العلاوي حيث أتناول فطوري الصباحي . أما ألان فهي مدينة خاوية. شعرتُ بذلك المشهد الذي يعصر القلوب عصراً لا بل يحيلهُ الى قطعة من الكآبه وألأحزان . وجدتها منطقة من نوع آخر. مدينة مليئة بالجنود..مئات..لا بل آلاف الجنود وقد حمل كل واحد منهم أحزانهُ على كاهلهِ..كل واحد يود الذهاب الى وحدتة العسكرية أو الى جهة ٍ أخرى.

وضعتُ حقيبتي بين قدميّ. وقف طارق الى جانبي. بين لحظة وأخرى أوقد سيكارة أروم من خلالها تهشيم جزءاً من جدار الهم الذي أحاط كل جزء من أجزاء روحي المرهقة أو طرد شبحاً من أشباح الغم الذي حلق فوق شغاف فؤادي الحائر. نظر طارق الى وجهي ثم أطلق زفرة مسموعة وقال بهدوء:

..” إسمع، إذا لم نحصل على سيارة في وقت قصير من ألأن فسنعود الى البيت دون إبطاء فقد سأمتُ هذا ألأنتظار”. كانت طريقتة في الكلام قد جلبت لفؤادي نوعا من الحزن والفرح في وقت واحد.إعتراني نوع من الفتور والحزن لأنني شعرتُ أن صديقي قد فقد السيطرة على أعصابه بسبب الأنتظار الطويل . وشعرتُ بفرح مفاجيء كوني سأعود مرة أخرى الى البيت كي أشاهد أطفالي ووالدتي وزوجتي فقد شعرت برغبة عارمه لرؤيتهم مرة أخرى على الرغم من أنني كنت قد فارقت البيت قبل وقت قصير، وأنا في خضم ذلك ألأنتظار وألأندحار وألأنكسار توقفتْ سيارة كبيرة على بُعد أمتار من صديقي طارق وراح سائقها يصرخ بصوت مرتفع” كركوك، كركوك”. وقبل أن يرتد لي طرفي شاهدتُ طارق يقفز بطريقة عجيبة وكأنه ضبي يقفز من صخرة الى أخرى فوق إحدى الروابي الشاهقه الممتده في منطقة جبلية وعرة . وفي لمح البصر ركضتُ خلفه وفي غضون دقائق قليلة كانت السيارة تشق بنا عباب الهواء صوب مدينة كركوك. أسندتُ رأسي الى الخلف وحاولت إجبار ذاتي للعوم في إغفاءة قد أتمكن من خلالها طرد شبحا الحزن والشعور بالأنكسار، إلا ان عينيَّ سافرتا بلا هدف نحو الجانب ألأيمن ثم الجانب ألأيسر لذلك الشارع الطويل . لقد أحسست أن قبضة فولاذية تعصر قلبي وتحيله الى هشيم تذروه الرياح.

شاهدتُ منشآت وبنايات كثيرة تحولت الى أكوام من الركام الهش من جراء القصف ألأمريكي . لماذا كل هذا الدمار؟ آلاف من ألأسئلة كانت تدور في رأسي وتعصر قلبي. هل كان بالأمكان تجنب كل تلك الهجمات وتلك الحروب التي مزقت بلدنا سنة بعد أخرى؟ منذ أن أدركت الحياة والعراق يخوض حروباً لاتنتهي .حروباً مع الجيران .. وحروباً مع كل العالم..سقط فيها آلاف لابل ملايين القتلى. كان بأمكان العراق أن يتحول الى جنّة حقيقية لو كان قادته قد قادوه الى الطريق الصحيح..ولكن قادوه الى سلسلة من الدمار الشامل. بعد مفارقات كثيرة حدثت لنا في الطريق وصلنا المدينة بعد ظهر ذلك اليوم. تجولنا في شوارع عديدة وطرقات مختلفة نستفسر عن مكان وجود وحدتي العسكرية—وكان الفضل في هذا يعود الى الصديق طارق—فقد كان يعرف كل زاوية من زوايا تلك المدينة..لأنه تخرج من أحد معاهدها وخدم وقتا ليس بالقصير في إحدى مدارس القوات الخاصة فيها، في حين أنني كنتُ على عكسه تماما فقد كانت كل خدمتي العسكرية في البصرة وهذه أول مرة أزور فيها هذه المدينة. بعد أن دَبَّ السأم والتعب الى جسدينا جلسنا في إحدى الحدائق العامة في محاولة يائسة لأزالة جزءاً من ألارهاق الجسدي والنفسي اللذان كانا قدسحقا روحينا سحقا لاهوادة فيه. فتحتُ كيساً متوسط الحجم وأخرجتُ ماكانت زوجتي قد وضعتهُ لي عند الصباح الباكر حينما تركتُ البيت. نظر طارق الى المحتويات الغذائية وقد إتسعتْ عينيهِ من الفرح والسرور والدهشه فقال بصوت كوميدي:

..” واو..واو..بيض مسلوق، طماطة، بصل، خبز، بطاطا مسلوقه؟ كيف جلبت هذا ومتى؟ أكاد أموت من الجوع”. وقبل أن تمتد يده الى الطعام قلتُ له:

..” سوف أجعلك تأكل معي بشرط أن تجد لي وحدتي العسكرية..ولكنني لااعرف اين اذهب؟”. ضحك طارق وهو يقول:

..” بعد تناول هذه الوجبة الدسمة سوف أجد وحدتك العسكرية بأي ثمن، فقط دعني أتناول راس البصل هذا”. حينما قال طارق – الحمد لله الذي رزقنا من فضله- وهو ينفض يده من الطعام وكانت الدماء قد عادت الى عروقة من جديد. وضعتُ بقية الطعام في الكيس وقبل أن أقفل- سحّابها- قفز طارق بأتجاه الشارع العريض الذي كان يُحيط بذلك المتنزة . إعتراني سيل من ألأندهاش لتلك الحركة غير المتوقعه . إعتقدتُ أن مساً من الجنون كان قد تلبسهُ. كان هناك رجلاً كبير السن من شرطة الحراسة يمتطي دراجة هوائية وقد علّق بندقيتةُ في كتفه كي يتمكن من قيادة دراجتة بطريقة سهله.

دون سابق إنذار وقف طارق وسط الشارع وهو يطلب من ذلك الشرطي أن يتوقف. ظهرت علامات حيرة وإندهاش على وجة الرجل لذلك التصرف الذي ابداه صديقي—حيثُ كان يرتدي زي القوات الخاصة–. ترجل الشرطي من على دراحتة وظل ينظر الى صديقي دون أن يتفوه بكلمة واحدة. بادره صديقي بلهجة ودودة وقد إرتسمت على شفتيه ابتسامة عريضة.
…” عفوا أيها العم، أين يقع مقر الوحدة”…..”من الفرقة” …” الفوج “…”أنا ابحثُ عن مكانها منذ زمن طويل.