يتمثل النجاح الأمريكي الأبرز في الرد على حادثة الحادي عشر من أيلول، في اليات تنفيذ مبتكر لتحطيم القدرات المتبادل بين قوى إسلامية بازغة، فانتهى الصراع الطائفي السُّنّي-الشيعي الى نوع من الحرب تحت الرماد بعد سنوات من الحرب الأهلية في العراق الجديد، لتنتهي الى نماذج من التصفيات الجانبية لتحطيم القدرات المتبادل، لعل آخر ملامحها التهديدات التي أطلقتها جبهة النصرة بالضد من تنظيم «القاعدة» وعناصر «داعش» او ما يعرف بـ»دولة العراق والشام الإسلامية»، في تسجيله الصوتي الذي حمل عنوان «ليتك ترثيني» في اشارة الى أبي خالد السوري، لم يكتفِ زعيم «جبهة النصرة» (فرع القاعدة في الشام) أبومحمد الجولاني بتهديد «داعش» بمحاربته في سورية وحسب، بل ذهب بعيداً وهدد بإفنائه من العراق أيضاً، مشيراً الى وجود المئات ممن ينتظرون اشارة للقيام بذلك، وفعلا انسحبت عناصر داعش من بعض المدن السورية، فهل تنتهي لعبة تصفية الحسابات في العراق ؟؟
للإجابة على هذا السؤال، يبدو القتال في الأنبار أكثر عرضة لهذا التحطيم المتبادل لأسباب عقائدية، فالقتال الآن يدور ما بين قوات عشائر برعاية هيئة العلماء المسلمين، تحت مسميات مختلفة وبين قوات صحوة عشائرية بدعم حكومي، في وقت مازالت العوائل النازحة من الأنبار تدفع ثمن هذه الخلافات والكثير من الحكايات عن معاناة الأطفال والنساء، تجعل من هذا التحطيم المتبادل للقدرات مثارة للسخرية.
كل ما تقدم لا تبدو هناك أية قواعد «جهادية» لتوجيه الصراع نحو تحرير فلسطين وبيت المقدس الشريف، بل في تحطيم القدرات والإمكانات الإسلامية في قتال لا يبدو في نتائجه غير تقديم الفوائد واحدة تلو أخرى لصالح العدو الإسرائيلي، بما يؤكد صحة المعلومات والتحليلات بأن هذه التنظيمات التي تطلق على أعمالها صفة الجهاد الإسلامي، ليست أكثر من بندقية مرتزقة للقتال تحت أهداف مخابرات دول اقليمية ودول كبرى، فما تحقق من شقاق ونفاق بين صفوف المسلمين حتى اليوم، لا تستطيع كل الماكنة الإعلامية الصهيونية ، وما عرفت عنه من إمكانات هائلة ، ان تأتي بما يحطم القدرات الإسلامية، فكل هذه الأرواح التي زهقت والأموال التي هدرت لأهداف لا علاقة لها بأصل فكرة الجهاد في الدين الإسلامي، والتي لابد وان تكون بأمرة الحاكم الشرعي الذي تختلف المذاهب الإسلامية على تسميته واليات مبايعته في نموذج الديمقراطية الإسلامية ان صح التعبير .
مشكلة المجتمعات العربية انها تعيش اليوم جاهلية القرن الحادي والعشرين ومازال الكثير من الدعاة والمؤسسات مثل مؤسسة الأزهر وحوزة النجف الأشرف غير قادرتين على الاتيان بمبادرة توضيحية ترسخ القناعات بمفهوم» الجهاد «وتلغي ما قبله، بعد أن تكشف تضليله وزيفه أمام الرأي العام الإسلامي.
وفي الإطار ذاته، لم يظهر علماء دين ودعاة تجديد إسلاميين، لهم القدرة على توجيه الرأي العام بمثل هذا الاتجاه لتوظيف الأموال وعدم هدر الأرواح سدى في حروب شتى، فالقرن الحادي والعشرين لم يشهد ظهور دعاة مثل عبد الرحمن الكواكبي لشرح طبائع الاستبداد بما ينسجم مع ضرورات ما بعد العولمة، او رفاعة الطهطاوي ونظرياته عن التجديد في التفكير الإسلامي، أكثر من ظهور دعاة الطائفية وحروبها المقيتة… فهل من منتظر؟