ما زال ضجيج الحديث وصخبه يتصاعد في أعمدة التحالفات والتكتلات الحزبية المتجددة ، فمن بين اكثر من 200 حزب مسجل هناك 180 حزبا قديما او تفرعات انتخابية منها ، ويطرح السؤال عن الإرادة السياسية ، للمتصديين للسلطة أولا ، ولذلك الناخب الذي سيقف امام صندوق الاقتراع بحثا عن لقمة خبر من خلال وعود بوظيفة غير مضمونة ، او عملا موقتا في صحيفة او مقر حزبي ، سرعان ما تذوب الحاجة اليها مع نهاية الانتخابات ؟؟
في زمن الجاهلية ما قبل بزوغ فجر الإسلام، كانت القبائل تتحالف من اجل ضمان العيش ، وكانت لها تقاليد الفروسية في نصرة الضيف ، وجاء الإسلام ،دين رحمة ليكمل مكارم الاخلاق ، كما ينقل عن الرسول الكريم ( ص) ، وكما بدأ الوحي الرباني بكلمة (اقرأ) فان واقع تلك الكلمة تمثل في الإرادة التي نقلت الإسلام من دعوة رجل واحد الى مليار ونصف مسلم في اصقاع المعمورة ، ومع التراجع الكبير في مراحل زمنية مختلفة ، أضحت الامية الثــــــقافية ، وانعدام الإرادة السياسية لشعب بلاد الرافدين ، محط أطماع إقليمية ودولية ، فكان العراق الحديث نتاج اتفاقية سايكس – بيكو ، وما انتهت اليه اتفاقات سفير في تحديد الرقعة الجغرافية لهذا الوطن ، فيما لم ينهض هذا الشعب للمطالبة بحقوقه الا بعد الغاء الامية في عموم الوطن من خلال حملة ” راشد يزرع ” بشهادة منظمة اليونسكو العالمية .
واقع اليوم ، وهذا الوطن يتوجه الى صناديق الاقتراع ، يواجه جاهلية مزدوجة في اكثر من مجال ، الأول ، جاهلية الإرادة السياسية ، والامثلة على ذلك واضحة وصريحة ، لجان المصالحة الوطنية لم تتصالح بين فئات الشعب وشرائحه الاجتماعية ، وهي اليوم امام مسؤولية استيعاب تلك الحواضن الاجتماعية للارهاب الداعشي ، في اخلاق الفرسان وفقا لتقاليد عربية استكملت مكارم الاخلاق بالدين الاسلامي ، التي تفتقدها الكثير من القيادات التي تتصدى للشأن العام ، لكنهم يطبقون اجندات لا تعترف بمكارم الاخلاق ، تركت العراق يعيش ثلث سكانه تحت خط الفقر ، ويصل العدد الى اكثر من النصف باقل من 5 دولارات أميركية يوميا ، فكيف هي مكارم الاخلاق وهم يصعدون منابر الإصلاح ويتحدثون باسم أولياء بيت النبوة ؟؟
الاختلاف ما بين الامس البعيد ، والغد القريب ، ان اغلبية المتصديين للسلطة لا يمتلكون الإرادة السياسية لوضع الأمور في نصابها الصحيح ، واذا كان هناك حديث متكرر عن النصر على داعش ، فان ذات المتحدثين عن هذا النصر بحاجة الى توحيد الرؤية عن تلك الدولة المدنية التي تحارب الفساد من خلال الالتزام العام الطويل الأجل وتخصيص الموارد للتنمية المستدامة ، التي لا تجعل أي عراقية تبحث عن طعامها في قمامة النفايات ، وتطبيق عقوبات ذات مصداقية على مرتكبي جرائم الفساد ، فما زلنا نسمع جعجعة الحديث عن مكافحة الفساد ولا نرى أي تطـبيق جاد لهذه الشعارات ، فحتى شعراء الجاهلية كانوا ينقلون في سوق عكاظ امجاد قبائلهم ، فما الذي سيتركه ساسة اليوم للأجيال المقبلة غير اللعنة على شخصيات اهـــــــدرت ثروات العراق في مفاسد المحاصصة .
والاختلاف أيضا ، يحتاج الى حملة وطنية شاملة ، كما كانت حملة ” راشد يزرع ” للقضاء على الامية ، لان جاهلية القرن الحادي والعشرين ، تتمثل في جاهلية تطبيقات اهداف الالفية الثالثة ، بمؤتمرات جوفاء ، وشعارات دون تطبيقات على الأرض ، في العديد من المجتمعات التي تعاني من سوء الحكم، حيث الشفافية والمساءلة والمشاركة وسيادة القانون محدودة، وتوليد الإرادة السياسية يمكن أن يكون صعبا، لكن تصاعد الإرادة المجتمعية في فواعلها الدينية وأصحاب المصلحة من رجال الاعمال والحرف ، في حالة انتظامها في جمعيات إصلاحية ، يمكن لها ان تجبر المتصديين للسلطة للوقوف عند صناديق الاقتراع واصوات هذه جماعات الضغط الوطنية تدعوهم الى استيراد نماذج من القوانين ومؤسسات من العالم المتقدم النمو، تتمتع بسيادة القانون وتحويل مؤتمرات المصالحة الوطنية والإصلاح الاقتصادي الى نماذج تطبيقية تلغي الفقر من العراق فهل من مستجيب ؟؟