18 ديسمبر، 2024 6:26 م

جامعة الدول العربية والصعود إلى الفشل

جامعة الدول العربية والصعود إلى الفشل

مؤسسة تحمل عنواناً كبيراً من الشعور العربي الموحد، لكننا للأسف إكتشفنا متأخرين إنها تحمل بين طياتها عناوين الفشل والهزيمة، مؤسسة جعلتنا نعيش زمناً طويلاً من الأوهام حيث لم تنجح في حل مشكلة عربية واحدة بين أعضائها ليتخطى ذلك الفشل الحدود العربية، لم تتجاوز إنجازاتها وفعالياتها سوى بيانات الشجب والإستنكار وفي أفضل الحالات يكون الخطاب بلغة شديدة اللهجة، الإشتراكات السنوية وحجم الدعم المالي والمعنوي التي تتلقاها المؤسسة التي يجتمع أعضاء الدول العربية في أروقتها ودهاليز بنايتها يوحي للمشاهد أنها ذات حضور سياسي فعّال.

هي جامعة الدول العربية التي يُقال إنها كانت فكرة بريطانية لجذب الرأي العام، ودفع العرب للوقوف معها في الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا، عن طريق مخاطبة مشاعرهم، وأحلام الوحدة التي كانت تراودهم بإصدار بيان “أنطوني أيدن” الذي عيّنه رئيس وزراء بريطانيا “ونستون تشرشل” وزيراً للخارجية في ٢٣ كانون الاول/ ديسمبر ١٩٤٠، كان أيدن أول من طرح فكرة إنشاء جامعة الدول العربية وذلك بخطاب له في آيار/ مايو ١٩٤١.

غرابة ما تحمله هذه المؤسسة من إرهاصات هو غياب مفهوم الأمة العربية أو الوطن العربي أو حتى الشعب الواحد وكأن العنوان يوحي إلى شعوب متعددة لا يجمعها سوى التنسيق والتعاون، ومن سخريات قراراتها أنها غير ملزمة للأعضاء.

لم تتمكن هذه الجامعة من تحقيق الإنسجام والتوافق بين العراق والكويت أو بيان موقفها من الأحداث في سورية وليبيا أو حتى توضيح موقفها من ثورات الربيع العربي، بل لم تستطع إيقاف الجيوش الغازية التي وطأت أقدامها أرض الخليج في حروبه الأولى والثانية وظلّت مكتوفة الأيدي بسبب هيمنة القرار الخارجي عليها.

لا أجد لها تشبيهاً سوى إنها نقابة للرؤساء والزعامات وتجمّع للمتقاعدين والقاعدين من السياسيين.

لن ننتقد دورها في معالجة قضايا العرب “فما لِجُرحٍ بميّت إيلام”، فهي بالنهاية منظمة كغيرها تخضع لضغوط تتعداها عن الرأي المستقل.

أُمناء الجامعة العربية لا يجيدون من وظائفهم سوى مشاعر القلق العميق، فما يحدث للعرب قد أثبت عجز جامعتهم المستديم مما يحدث لأهل غزّة، خصوصاً ذلك البيان العقيم الصادر عن الدورة غير العادية لمجلس وزراء خارجية العرب في ١١ أكتوبر ٢٠٢٣ والذي عقد أثر عملية “طوفان الأقصى” والتصعيد الإسرائيلي على قطاع غزّة، إذ نصّت الفقرة الثانية منه على إدانة قتل المدنيين من الجانبين وإستهدافهم وجميع الأعمال المنافية للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، والتأكيد على ضرورة حماية المدنيين، إنسجاماً مع القيم الإنسانية المشتركة والقانون الدولي وضرورة إطلاق سراح المدنيين وجميع الأسرى والمعتقلين، وكأن بيان الجامعة العربية يساوي بين القاتل والضحية، وبصريح العبارة فإن جامعة الدول العربية إنتهت مدة صلاحيتها ولابد من إنشاء جامعة جديدة كما حدث في تأسيس الأمم المتحدة على أنقاض عصبة الأمم، وهنا يتبادر إلى الذاكرة أسئلة أعلم أن لا مجيب لها وهو لماذا لا تُطرح فكرة تدوير منصب أمين عام الجامعة على كل الدول العربية حيث أصبح إنتماء الأمين العام لدولة المقر (مصر) عُرفاً سائداً؟ ولماذا لا يُسمح لمسيحي عربي بالترشح للأمانة العامة، أليس هؤلاء جُزءاً من المكون العربي في المنطقة؟.

أيها العرب…مؤسستكم التي تدّعي أنها جامعة للدول العربية أصبحت ميّتة سريرياً حين أعلنت فشلها في حل مشاكلكم وآن لكم أن تبحثوا عن البديل، ويقال إن الرئيس المصري الأسبق أنور السادات كان قد إقترح أن يحول مبنى الجامعة العربية في القاهرة إلى فندق، ولا نزيد على هذا الإقتراح سوى ما قلناه أن يكون مقر الجامعة مقهى للمتقاعدين والسياسيين خارج الخدمة لتناول فناجين الشاي والقهوة.