23 ديسمبر، 2024 5:58 ص

جامعة الانبار والتحديات

جامعة الانبار والتحديات

كنت في بداية المرحلة الاعدادية لما دخلت جامعة الانبار للمرة الاولى, وكانت وقتها تمثل المعهد الفني في الرمادي, ولم تكن بعد قد أنشأت جامعة الانبار, والمناسبة كانت حضور مباراة كرة الطائرة بين فريق اعدادية الصناعة وفريق المعهد الاسلامي والاحرى كانت بين لاعبين عملاقين هما خلدون عفات وعودة خشان!!, كنت مندهشا وانا اشاهد للمرة الاولى صرحا كبيرا انيقا غير بناية اعداديتي الصغيرة , وكأنني ادخل متحف اللوفر, حيث بنايات كبيرة وحدائق عريضة وقاعة العاب مغلقة, وللمرة الاولى أشاهد طلاب وطالبات بالغين يتمشون سوية دون خوف ومراقبة من الاهل!!.
وبعد اكثر من ثلاثين عاما دخلتها مجددا, ولكنني فجعت بما شاهدت, وأعتصر قلبي الالم والحسرة على حجم الدمار الهائل الذي أصاب كل شئ فيها ولم تسلم حتى الاشجار والزهور من العبث, وتمنيت لو أنني لم اشاهدها بهذه الحالة الحزينة, وهنا ادركت يقينا أن الارهاب كان يتقصد تدمير كل ما له صلة بطلب العلم وتطوير العقل وتنمية العلوم وبسبب حقدهم الاعمى فقد عمدوا الى نسف كل بنايات الجامعة ومرافئها, قبل أن يتركوا المدينة , امعانا بقتل طموحاتنا وامالنا, ولما عادوا وهجموا مجددا على المدينة, فقد أصروا ان يهاجموا الجامعة أولا بكل شراسة , وقبل أي منشأت أخرى في المدينة !!.
ومرة جديدة تخيب احلامهم المريضة بقتل الجامعة التي تصر على الحياة والنهوض من جديد رغم كل التحديات والصعاب وبالرغم من التقشف الذي يعاني منه البلد, ورغم كل ذلك فقد غبطتني الفرحة وأحسست بالزهو والفخر حينما شاهدت روح التحدي والمكابرة والاصرار على النهوض من جديد وبناء كل ما تهدم, وترميم كل ما تصدع, والاهم هي تلك الروح العالية التي لمستها من الجميع بعودة الجامعة ليست فقط كما كانت, بل ارتقائها للقمة ومنافستها قريناتها من الجامعات العراقية. لقد شاهدت شباب الجامعة وهم يتبنون مبادرات تطوعية لآزالة انقاض الدمار وتنظيف ممرات وساحات كلياتهم وسمعتهم وهم يتفقون على التبرع بمصروفهم اليومي ليقوموا بشراء اصباغ يلونون بها جدران جامعتهم , وشعرت بالزهو لما علمت أن اساتذة الجامعة لم يكتفوا بالتسابق في تعويض طلابهم ما فاتهم من دروس باستثناء قلة قليلة لا تزال بعيدة عن ديارها وتسكن في مدن كانوا قد نزحوا اليها مجبرين .
ان جامعة الانبار بحاجة الى تكاتف الجهود وتظافرها للتسريع بعملية التاهيل , وان على المسؤولين بكافة مستوياتهم في الدولة ان يتبرعوا بكل جهد صادق وبكل ما تجود به ايديهم لان الجامعة تحتضن بناتهم واولادهم وهي مستقبل كل الاجيال القادمة, وأن عليهم ان يدركوا أن تقدم أي مجتمع مرهون بتطور جامعاته ومعاهده, وان اليوم هو يوم البذل والعطاء والجود وان لا مجال بعد اليوم للحلول الوسط, فليعلموا أن الجحيم محجوزة لآولئك الذين يلزمون الحياد وقت الازمات والمخاطر, وأن الخائفون لا يصنعون الحرية وان المترددين لن تقوى ايديهم على البناء, وأن بناء المدارس والجامعات أولى من اي عمل اخر, ويجب ان نطلق حملة تضامن مع الجامعة في محافظة الانبار لنحمي المستقبل ونضمن الارتقاء بالانسان ونحميه من افكار التطرف والارهاب, والكل يعلم ان الجهل يورث التطرف والغلو, وأن لا مستقبل لنا دون جامعات حضارية متطورة, ولنبني جامعاتنا لنباهي بها العالم وهذا اقل طموحاتنا المشروعة, ولنفتح الابواب لمن ياتي بعدنا, وأن نرجع الى ديارنا, ونترك تلك الغيبوبة التي ما زال البعض يصرعلى البقاء فيها والمناورة بكل الطرق ليبقى بعيدا دون ان يساهم بالبناء ولا نراه الا في يوم البصمة والراتب !!!.