جاءت المسابقات والجوائز الثقافية العربية لتوجه البوصلة إلى عمق الوعي العربي والعالمي، من خلال تسليط الضوء على النماذج الفريدة والمتميزة في المجالات الأدبية والفكرية والفنية المحلية والعربية، من أجل إذكاء الوعي والتعريف بأهمية الحضارة والتراث والأصالة والنوعية في كل بقعة عربية، فكانت الجوائز التي تتعاظم كل يوم مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، لتنتشر في كل مكان، يشارك بها العرب وليس أبناء بلد الجائزة فقط.
لكن الأديب العربي وتحديداً القاص أصيب بخيبة أمل كبيرة في جائزة الطيب صالح العالمية، والتي كان يجب أن تحترم اسم صاحب الجائزة وهو الروائي الكبير الطيب صالح، صاحب موسم الهجرة إلى الشمال وعرس الزين ومريود وغيرها من الأعمال، إذ أن جميع أعمال الرجل لم تكن تزيد عن 16000 كلمة. فإذ بلجنة الجائزة تطلب من المشاركين أن تكون أعمالهم لا تقل عن 30000 كلمة، وأن تكون القصص ما بين 10 إلى 15 قصة، الأمر الذي يعمد إلى تعطيل الإبداع وتوجيهه في مسارات غير فنية، تدمر المضمون وتهين القصة التي لا تحتمل الثرثرة الزائدة، لأجل الشكل الذي قد يزعج القارئ.
وهنا يتأتى السؤال الأساس: على ماذا اعتمدت لجنة جائزة الطيب صالح بالإعلان عن هذين الشرطين؟! وهل هما يشكلان قاعدة تنطلق منها أدوات الإبداع؟ أم أنهما تكلف زائد ومجحف بحق القصة القصيرة؟!
لو نظر القائمون على تلك المسابقة إلى عمالقة القصة القصيرة، لوجدوا أن كل قصة لا تحتمل أكثر من 1000 إلى 1500 كلمة، وربما أقل، حيث أن معظم القاصين أمثال بهاء طاهر ومحمد البساطي وسعيد الكفراوي وإبراهيم أصلان وغالب هلسا وجمال حمدان وأحمد خضير وفؤاد التكرلي لم يذهبوا إلى القصة القصيرة الطويلة، وإنما القصة ذات العمق التي لا ترتبط بشرط وهمي يدمر البناء السردي.
ترى لو شارك أي من هؤلاء العمالقة في المسابقة، هل كانت ستقر لجنة الحكم بفوزهم، رغم أنهم يخالفون الشرط الأكثر فجاجة؟ (30 ألف كلمة على الأقل) رغم أنه كان يجب أن يكون الشرط (على الأكثر) حيث أن المجموعة لا يجب أن تزيد عن 170 صفحة من القطع المتوسط، وهي بهذا الشرط تجعل من أي مجموعة قصصية 300 صفحة، فهل سبق وأن رأى أي من القراء مجموعة قصصية بهذا الحجم؟!
إننا اليوم نعيش عصر السرعة (Rat race) وحتى الرواية باتت تنحو باتجاه النوفيلا (الرواية القصيرة) خصوصاً في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وانشغال الشباب بالثورة التكنولوجية الهائلة، فكيف للجائزة أن تعلن عن (30000 على الأقل في الرواية) وهي تعلم أنها بذلك تدمر البناء السردي للمجموعات القصصية والروايات، وكان الأحرى أن تكون الرواية (20 ألف كلمة على الأقل) ولكن أن تصير الجائزة في تركيزها على شروط شكلية مجحفة، فهي بالتأكيد تهين الطيب صالح الذي لا تزيد رواياته أو قصصه عن 15 ألف كلمة على الأكثر. لذا هي دعوة لإدارة الجائزة بإعادة النظر بهذه الشروط التي تجعل من الأدباء ثرثارين على حساب المضامين.