23 ديسمبر، 2024 1:46 ص

جائزة الابداع العراقية في الترجمة ومطربة الحي التي لاتطرب

جائزة الابداع العراقية في الترجمة ومطربة الحي التي لاتطرب

يبدو أننا تعودنا دائما أن لانحتفي بالمبدع العراقي الا حينما يكون خارج العراق او يموت، ولا نقيم عمله الا اذا اتصل بدور النشر العربية، وكأن القضية في الغالب استصغار للنفس والنظر الى الاخر الاجنبي بعقدة النقص والدونية من منظور تفوقه بينما يضل المبدع المحلي العراقي مهمشا ومظلوما وضائعا بين المحسوبيات والعلاقات والمداهنات.

لقد كان اساتذتناعلى خطأ حينما علمونا ان الجيد سيفرض نفسه دائما في النهاية بكفائته وموهبته وحدها فقط، ولم يعلموا اننا سنعيش في زمن ملعون تغلب فيه المصلحة والعلاقات والمحسوبية على كل شيء .

انا لا اتحدث في هذا من منظور انني لم افز بجائزة الابداع وانني ناقم على عدم الفوز بسبب ذلك فلكل اللجان اولوياتها وصلاحيتها التي ترى فيها الاعمال التي تستحق الفوز وانا من هذا المكان اشهد انني لا اعرف احدا من الفائزين معرفة شخصية ، سوى المبدع خضير فليح الزيدي الذي يستحق الكثير، كي لا يكون لي موقف شخصي ضدهم واتمنى لهم بالفوز مزيدا من التقدم والابداع .

لكنني انظر الى حقل واحد اعتبره من ضمن اختصاصي وهو حقل الترجمة حينما يتم تجاهل كتاب تاريخ العمليات السرية الامريكية في العراق لتقوم اللجنة بعدها بمنحها لرواية مترجمة تتحدث عن حكايات في مراكش من وحي اجواء قصص الف ليلة وليلة لكاتب هندي لم يسمع به اغلبنا و لا علاقة له بالوضع العراقي ولا بالانسان العراقي، مع ان الجائزة عراقية والمفترض فيها ان تمنح على الاقل لكتاب يقترب من الشخصية او المجتمع او الوضع العراقي بشكل عام حتى وان كان مترجما فهذا في ذات الوقت امر يثير الاستغراب حقا.

الواقع انني تجاهلت نقطة مهمة هي ان كتابي كان يفضح تجسس ما يطلق الامريكان على عملائهم في العراق من البيشمركة والبعض من مترجميهم هناك بتسمية (الموهوكس) المأخوذة من قبائل (الموهيكانز) الشهيرة بكونها انقسمت ما بين ادلاء للمحتلين البريطانيين والفرنسيين ايام كانت الولايات المتحدة مجرد مستعمرة، ويكشف ايضا دور فرقة العمل البرتقالية التي كانت تعمل من شمال العراق مع الموساد الاسرائيلي بمساعدة حزب البارزاني لجمع المعلومات عن الفصائل الشيعية ولم انتبه الى ان وزير الثقافة الكردي بالطبع لايروقه فضح هذه الحقائق وبالتالي من المستحيل ان يفوز الكتاب .

اما من الناحية المهنية فانا لم اقرأ النص الفائز بالترجمة لا باللغة العربية ولا الانكليزية لكنني اود مسائلة اللجنة الموقرة والتي يفترض انها من الاكاديمين هل حقا قرأتم الرواية او على الاقل ما كتب عنها ورايتم حجم الاخطاء الترجمية الموجودة فيها قبل ان تحكموا بفوزها ، وانا احيلكم هنا الى ماكتبه الناقد والروائي المغربي الدكتور الحبيب الدائم ربي عن الرواية وترجمتها في موقع ثقافات بتاريخ 19 كانون الثاني 2016 حتى لايقول احد انني متحامل على احد لتدركوا حجم الاخطاء الكارثية في الترجمة حيث يقول وانا اقتبس هنا نص ماورد في مقاله :-

” وبغض النظر عن مدى أمانة نقل هذه الرواية إلى لغة الضاد على مستوى الإخلاص لروح النص الأصلي لغة وأسلوبا. إلا أننا، وحتى دونما اطلاع على الأصل الإنجليزي، نستطيع الخروج، مع ذلك، بانطباع مفاده أن الأهم في هذا العمل الأدبي قد تم تضييعه نتيجة غياب ما يكفي من ثقافة تاريخية وجغرافية واجتماعية حول المغرب، للمترجم والمراجع على السواء. والدليل ما تعرضت إليه كثير من خصوصيات هذا البلد من تحوير طمس معالمه جزئيا أو كليا. مما أخل بروح الرواية إخلالا كبيرا. وكان بالوسع، بقليل من التريث وبالاعتماد على هوامش النص الأصلي، تفادي هذه “الخيانة” المضاعفة التي لم تُبق من أثر مراكش إلا عنوان الرواية، والحال أنه من المفترض أن الرواية تحتفي بالفضاء المراكشي وبفضاء المغرب ككل. وللتمثيل على ما نقول سنقتصر هنا على عرض عينة من التحريفات التي طاولت “الأسماء” في ترجمة هذه الرواية، ولربما ما لحق غيرها أفظع”

واضاف ” فـ”سوق الزرابي” صارت “سوق زرابيا”، ومدينة طان طان أضحت “تان تان”، وتافراوت تحولت إلى تافروتة، فيما درب دباشي(أو ضباشي) غدا “درب دباجي”، أما مدينة سلا فقد صارت تسمى “سالي” ، وعلى هذا المنوال أصبح درب السمارين “درب سمارين”، و شفشاون “جفجوان”، و قلعة مكونة “قلعة ماغونة”، وإيميلشيل “إيميلتشيل”،و وادي درعة “وادي دراع”، وجامع المواسين”جامع مواسين”، وصنهاجة”سنهاجة”، والساقية الحمراء”ساقية الحمرا”، وآسفي “صفي”، وأمزميز”أميزميز”، وكولمين”غوليمين”، وفندق المامونية”فندق لامامونية”،وجبل توبقال “جبل توبكال”، ومليلية”مليلة”، وأكدال”الأغدال”، والسمارة”سمارة”، والخطارة”الخيتارة”، والخطارات”الخيتارات”،وأزرو “عزرو” ، والأمثلة لا تعد ولا تحصى”.

وتابع ” ومثل هذه التصحيفات مست ما لاحصر له من الأسماء المرتبطة بهذا الفضاء. فأكلة البسطيلة، الشهيرة بالمغرب، تحولت في الترجمة إلى “البستلة”، مرة، ومرة أخرى إلى “الباستيللا”، أما شراب الخودنجال المعروف في ساحة جامع الفنا، فقد صار”خيدنجال”، ناهيك عن كون الالآت الموسيقية كالطر والطعريجة والكدرة والكَنبري والقرقابات ترجمت، على التوالي، هكذا: التار، التاريجا، الكديرة، الجمبري، الكركبات…بل إن كلمات قريبة من الفصحى تم تشويهها من قبيل الزواق أي الزخرفة التي أضحت”زواك”، والمكحلة (أي البندقية التقليدية) انقلبت إلى “الموكالها”، وتاشلحيت (أي اللغة الأمازيغية) تحوّلت، تارة، إلى ” التاشيلهايت” وتارة أخرى، إلى “تاشيللهيت” بينما غدت تدلاكت (وهي تقنية في تبليط الأسوار) “تيدلكات” أو “تاديلكت” حسب مزاج المترجم.. وفوق هذا صار باشا مراكش القديم التهامي الكلاوي يحمل اسما غريبا هو “غلاوي باشا”.

وواصل ” لا نريد أن نسترسل في تبيان مواطن الخلل في ترجمة هذه الرواية، وإنما نريد أن نؤكد على أن الترجمة ليست مجرد تحويل لغوي تقني وإنما هي، وبالأساس، تشرّب لفحوى ما تحمله هذه اللغة من قيم ثقافية وحضارية . لهذا فإذا كان النص الإنجليزي لـ”راوي مراكش”يتحدث عن مراكش وحكواتييها، وعن المغرب وثقافته، فإن النسخة العربية كانت تتحدث، ربما، عن مكان آخر بلغة أخرى”.

بعد كل هذا يحق لنا أن نتساءل هل كانت اللجنة المختصة بالترجمة قد قرأت النصوص المقدمة اليها فعلا او على الاقل ما كتب عن تلك النصوص؟ ، وما اهمية رواية كهذي للوضع والانسان والعراقي كي تستحق بعد كل هذه الكوارث جائزة الابداع العراقي للترجمة لعام 2018 ؟ لكن يبدو ان اللجنة كانت تنظر الى من قال لا الى ما قال وشفيعها الوحيد ان الرواية صدرت عن المجلس الوطني للثقافة والفنون في الكويت فقط واسم المترجم مع احترامي له ، بينما نحن من نعمل ونطبع في دور النشر العراقية لاينظر الى نتاجنا على محمل الجد لأننا نعمل بصمت وليس لنا ما وراء الكواليس علاقات ومجاملات مؤمنين باساتذتنا الخاطئين رحمهم الله ….اقول كما قلت في البدء ان مطربة الحي دائما لاتطرب في العراق وكان الله يحب المحسنين .