18 ديسمبر، 2024 9:37 م

جائحة كورونا وفلسفة الإنسان الجديد

جائحة كورونا وفلسفة الإنسان الجديد

سليم جداي
سهام حدادة
لقد عرفت البشرية ومنذ الأزل البعيد وحتي القريب مجموعة من التغيرات من الناحية الجيولوجية والفيزيولوجية وحتي الاجتماعية والثقافية ،فقد كان الإنسان يخضع دائما وبعد جنوح هذه الأزمات الي مجموعة من التغيرات والتي تحد من الجانب الفطري له ،ولعاداته وتقاليده المكتسبة أو الموروثة لديه،فالأزمات دائما كانت مخرجاتها عمليات تغيير محورية وعادة شاملة ،إلا ان الانسان والمجتمع او المجتمعات ككل ،كانت عقلياتها تغيب عن دور المستقبل ،ىتغير وتطور هذه الأزمات من حروب ،أوبئة ،زلازل ،فياضانات ،فكانت العقلية السياسية سواءا العربية ،أو الغربية غير مهتمة وإلي المدي القريب إلي إيجاد حلول ،ولو نظرية لتطور هذه الأوبئة والأزمات ،منذ الطاعون الاسود الي حائحة كورونا ،ومنذ الحرب العالمية الاولي إلي غاية أحداث 11سبتمبر ،فقد كانت هناك ،بوادر تغيير لكن ليست شاملة ولا كاملة ،فالحروب التي اصفرت علي العقلية المثالية ،أو الطوباوية أوما مايعرف عند الواقعيين أمثال “كار “باليوتوبيين قد حاولت رسم حكومة عالمية ،يعيش الانسان في كنفها في ظل الامن اي (الامن المشترك)وفي ظل تناغم وبحبوحة لاتنم عن وجود حروب أبدا،لكن سرعان ماتغيرت هذه النظرة وإندرثت عند اندلاع الحرب العالمية الثانية ،لتحل الواقعية كنظرية مهيمنة وذات بعد ميداني مجسد في أوض الواقع مما أعاد الإنسان الي التفكير السابق ،دون الرجوع او التفكير في الحكومة العالمية ،كما ان هذه النظرية قد تلاشت واندثرت نوعا ما عند سقوط الاتحاد السفياتي وتفككه ،والتي لم تستطع التنبأ بسقوطة مما أدي بظهور نظريات اخري تتمثل في النظرية البنائية والتي تحتكم الي البني الاجتماعية ،ودور الانسان فيها ،وهو الامر الذي أعاد وبشكل بطئ النظرة الواقعية الي الميدان ،والأنها كانت تراهن علي الدولة في كل المجالات سواءا في الحرب او السلم الي ان جاءت احداث 11سبتمبر والتي ،حاذت بين النظرية الواقعية والواقع كمصطلح موضوعي ،وأصبح الفرد جزءا من النظام الدولي كما زعمت اليبرالية والتي تمتد جذورها من كانط ،الي المفكرين المعاصرين أمثال جوزيف ناي ،وكيوهان ،والذين سلطوا فكرهم إلي الفرد كوحدة مؤثرة في السياسة واصبح هذا الفرد بشكل تهديدا سواءا علي مستوي الدولة أو النظام ككل ،واعتمدوا علي التعاون والاعتماد المتبادل بدل النزاع والصراع ،وكل هذه النظريات ،ومهما كان مستوي نجاحها او فشلها فهي استطاعت لحد ما تفسير زاوية من زوايا الصراع او النزاع في الدول ،وحاولت تطوير الانسان واعطائه مزاعم جديدة ،وتفكير جديد ،انبثقت عنها تجارب ملموسة ومحسوسة ادت الي نتائج ذات اهداف إيجابية،وكذلك الأوبئة والامراض أعطت للانسان توجهات ونظرات جديدة من اجل حياة جديدة ،وقد اصفرت جائحة كورونا علي انبثاق إنسان جديد ،سيأخذ علي عاتقه موجات جديدة للعيش علي غرار التباعد الإجتماعي ،الحجرالصحي ،التعايش ،التضامن ،وطبيعة العيش ،فأصبح الانسان والمجتمع والمجتمعات ،بما فيهم الدول همهم الوحيد ايجاد الدواء لهذا الوباء او الجائحة ،حتي يعودوا الي سابق عيشهم ،وأصبح تفكير الإنسان يلوح إلي مابعد كورونا ،أي المابعديات ،وكما عرفانهم في دراسات سابقة ،مابعد الحرب الباردة ،ومابعد الوضعية ،،،الخ،رغم أن هذه المابعديات لم تكن لها مخرجات واضحة المعالم ،إلا مجموعة من التكهنات ،مثل التي سبقتها ،لأن الفكر او العقل يفكر اثناء الازمة فيما بعدها لكن سرعان ما يتناسي ،أو ينسي ،إلي غاية ظهور أزمة جديدة ،فالانسان عندما يموت اعز إنسان عنده ،تظهره عليه علامات الندم والخشوع ،والتغير ويستذكر ذلك الميت العزيز عليه ،ويتذكر الدنيا الفانية والاخرة والحساب ،فإنه يجسد في نفسه فكرة التغيير في حياته ،لكن سرعان ماينسي ذلك الميت العزيز ،وينسي الآخرة ،ويعدل عن ذلك التغيير الذي كان في لحظة انه قرر ان يتخذه سبيلا ،الي أن تاني مصيبة اخري تفقده في عزيز فيعيد نفس التفكير الأول من الندم والشروع في تغيير نفسه ،وهكذا ودواليك ،لكن كيف يكون هذا التغيير الذي يجعل من الانسان جديدا وذو تفكير صحيح ،إنه بطبيعة الحال لشئ يصعب التفكير فيه .بل يصعب إيجاده العمل به في ارض الواقع ،لذلك فالواجب علي الانسانية ان تفكر في حلولها المستقبلية وأن تكون لها نظرة معيارية ،تعتمد من خلالها علي المواطن او الانسان العالمي ،والذي تكون فيها الانسانية جمعاء لها نفس الحقوق ،ونفس الواجبات ،وتخضع لنفس المعاملات مهما كان العرق أو النسل أو اللغة أو اللون،فهذه هي مواصفات الإنسان الجديد أو الانسان مافوق المعولم ،الذي خضع إلي موجة عولمة صغرت له العالم لمدة ،وبعدها تخلت عنه ،إنه الانسان المستقبلي الذي تتكون به المجتمعات المثالية والجديدة ،التي تستحق العيش في كنف الأمن والرقي والازدهار .