18 ديسمبر، 2024 6:53 م

في العلم كما في السياسة لابد من أن نرصد حدوث ثورات تسعى للتغيير بعد أن جاء واقع الحال بأسئلة تتحدى الأنسان وطموحه نحو الأفضل دائما. وكما في السياسة فليست كل ثورة بناجحة، بل وحتى أن نجحت الثورات فلن يكون تحقيق أهدافها مضمونا..
واليوم ونحن نشهد التطورات الكبيرة التي فرضتها فايروسات الكورونا أو الكوفيد19 على بني البشر لابد من أن نرصد دروسها لتستمر خدمة أيجابية متواصلة مع ثورة العلم عبر التاريخ.
يقول لورنس برينسيبيه في كتاب له بعنوان الثورة العلمية والتي حصرها في أوروبا بين عامي 1500-1700 م، أن هذه الثورة كانت قد أنطلقت من خلال أهتمام الأوروبيين بالعالم الطبيعي من حولهم وتفاعلهم معه، حيث أدت هذه الثورة الى فتوحات علمية في شتى المجالات؛ فعبر أمعان النظر من خلال التليسكوبات الآخذة في التطور، تمكّن الأوربيون من رؤية عوالم هائلة جديدة؛ أقمار لم يكونوا يحلمون بها حول كوكب المشتري مثلا، وحلقات كوكب زحل، وعدد لا حصر له من النجوم الجديدة. وبواسطة التقنيات الحديثة اليوم صار الناس يتحدثون مع بعضهم البعض بالصورة والصوت وهم على بعد آلاف الأميال..ثم أن البشر تمكّن من أستخدام ميكروسكوبات المختبرات العظيمة للكشف عن تراكيب جزيئية دقيقة لمخلوقات في الكون فيها ما يمرض الأنسان فيؤذيه، وفيها ما يتعايش معه فيفيده. ومن هنا تأتي بشائر الثورة العلمية الجديدة، والتي تتحدّد معالمها اليوم أكثر من أي وقت مضى، فكأن أنتشار وباء الكورونا وفايروس الكوفيد 19 المستجّد قد كان بداية الأنطلاق التي أنتظرها العلماء.
ولابد من تحديد بعض صفات ثورة العلم الجديدة:
*لقد تم التركيز مؤخرا على أستخدام النظريات العلمية وتطبيقاتها غير السريرية في مجالات العلوم الصرفة ومجال الأختبار السريري، وبما يسرّع من الحصول على النتائج المرجوة من التنظير العلمي والأجتهاد البحثي.
*لقد تم التعاون بشكل مدهش وأيجابي بين مراكز البحوث الجامعية الأكاديمية من جهة، ومختبرات الصناعة والأنتاج من جهة أخرى، لفائدة تحقيق التجربة الدوائية لخدمة الأنسان. ولم يكن ذلك ممكنا لولا توفر الأرادة والقيادة العلمية لجميع الأطراف في هذه العملية المعقدة… أيمانا بدور الجميع في أحداث ثورة علم ينتظرها كل البشر. وكمثال حي على ذلك هو التوجه العلمي الصارم والسريع لشركات الأدوية العظمى والجامعات لتجربة لقاحات مضادة للكورونا، وبأستخدام تقنيات أنتاج غير مسبوقة، لتحقيق النتائج المطلوبة، وبالتالي أتاحة الفرصة أمام السياسي ورجل الدولة بأتخاذ قرارات صعبة بفتح أغلاق المدن، وجعل عجلة الأقتصاد في الدول تدور من جديد.
أن سرعة التوصل الى لقاحات مضادة للكورونا خلال فترة تقل عن عام واحد، أنما ستكون علامة فارقة في قرننا الجديد، دلالة على ما يمكن أن يتحقق في حالة التعاون بين الأكاديمي ورجل الأعمال، بتوفر القرار السياسي، وتوفر المال اللازم.
*لقد توضح أكثر اليوم من أي وقت مضى الدور الكبير للأعلام بفروعه وتخصصاته المختلفة، في حشد الرأي العام وتثقيفه وأطلاعه على ما يمكن أن يشكّل تهديدا للصحة العامة، وعلى أهمية الألتزام بطرق وأساليب الوقاية من المرض. كما ساهم الأعلام خلال فترة الأشهر القليلة الماضية بالتصدي للخرافات والشائعات حول أهمية اللقاحات لمجابهة وباء الكورونا، مما سيثبت الدور المهم الذي سيكون عليه الأعلام العلمي الصحي بالذات في المستقبل، بصدد التوعية وأيجاد رأي عام يساعد المسؤول السياسي في أتمام عملية البناء على كافة الأصعدة. وكما يذكر مؤلف كتاب الثورة العلمية الذي أشرت أليه، فأن العلم لا يقتصر على دراسة المعارف الخاصة بالعلم الطبيعي وتكديسها؛ فبدءا من أواخر العصور الوسطى، وصولا الى يومنا هذا، تزايد أستخدام المعرفة العلمية من أجل تغيير ذلك العالم، ومنح البشر سيطرة أكبر عليه.