23 ديسمبر، 2024 4:49 ص

ثورة العشرين والمشروع الطائفي

ثورة العشرين والمشروع الطائفي

رغم مرور مئة عام على ثورة العشرين وما أثمرته من مكاسب ومنجزات, مازال البعض يردد مقولة لولاها لما ولدت الطائفية في العراق ، مشككين بجدوى هذا المنجز التأريخي، كونه خطأ فادحا لم يكن في صالح الشعب العراقي غير المؤهل لإدارة الدولة ومؤسساتها آنذاك, وكان من الأولى ترك البريطانيين يحكمون بحسب اهوائهم كي ينقلوا لنا الحضارة والحرية ! وما كان حدث ماحدث من تميز طائفي وتهميش سياسي للشيعة ضمن تركيبة الدولة العراقية ، في محاولة لتحميل المرجعية الدينية المسؤولية والتقليل من دور رجالها بعيدا عن الإنصاف والموضوعية .

هذا البعض تناسى قوله تعالى ( لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) في تأكيد قراني واضح على أن غاية المستعمرين هو الإسلام لا غير، كما تغافل عن شهادة كثير من الباحثين المنصفين , والبريطانيين أنفسهم إن الثورة أجبرت المستعمرين بعد أن كلفتهم ثمنا باهظا في الأرواح والأموال, على تغيير مخططاتهم التي كانت مرسومة للعراق بتحويله إلى مستعمرة كدول الخليج, وربطه بالهند، وجلب عدة ملايين من الهنود لتهنيده وتغيير ديموغرافيته , وما كان الاستقلال والحرية النسبية التي عاشها العراقيون أيام حكم الملكية ليتحقق دونها , فضلا عن إيقاظ روح التلاحمين الديني والوطني, وجمع كلمة المجتمع بطوائفه, وحضره وريفه من شماله إلى جنوبه تحت راية واحدة, كسرت حاجز الخوف عبر زرع الثقة بالنفس وعدم الرضوخ للآخر.

ثورة أصبحت نبراسا للثوار والمجاهدين , جاعلة من المستحيل ممكنا بهزيمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس, “بالفالة والمكوار” , كاشفة الوجه القبيح للاستعمار البريطاني, ودسائسه الخادعة باستعباد الشعوب ونهب خيراتهم تحت غطاء التحرر, والحكومة الوطنية, والوعود المعسولة, ومؤامراتها الخبيثة على المنطقة عبر تقسيهما إلى دويلات صغيرة مستضعفة, وجعل إسرائيل في خاصرة المنطقة لإثارة صراعات وفتن.

أما مقولة ترك المستعمرين يسرحون ويمرحون بلا أي رادع أو تحشيد للرأي العام, أو ثورة و انتفاضة فهذا أمر لا يقبله عاقل يفهم السياسة ويقرأ الواقع بوعي، لأنه عندما غفلت الأمة, وقادتها ، جاء الاستعمار بعملاء ساموا الناس ألوان العذاب كعبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف واحمد حسن البكر وصدام حسين الذين عثوا في الأرض فسادا, قتلا وتعذيبا وتخريبا وارجعوا البلاد إلى الوراء بعد أن كانت تتمتع بشيء من الحرية والديمقراطية بفضل ثورة العشرين ,التي لاندعي كمالها ولا ننكر أخطائها .

إن من أهم واجبات الباحثين والمفكرين إعادة قراءة هذه الثورة المباركة من جديد واستلهام الدروس والعبر منها؛ لأن العراقيين بحاجة إلى ثورة بمستوى ثورة العشرين, ينهلون من مبادئها للتخلص من تبعية الأجنبي الجاثمة على صدرهم منذ ذلك الحين ، والخروج من سطوة الدول المسيطرة على القرار السياسي الوطني، وتعزيز إيمان الشعب بقدراته, على تجاوز الصعاب, والسير خلف القيادة الدينية من اجل استرداد عزة الأمة وكرامتها كما فعلها الشيرازي مطلع القرن الماضي ضد البريطانيين.