19 ديسمبر، 2024 1:14 ص

 “ثوار الفنادق ”  بين الشجاعة والتخوين

 “ثوار الفنادق ”  بين الشجاعة والتخوين

الرموز الوطنية المعروفة إعلامياً و جماهيرياً سواء كانوا سياسيين أو رجال دين أو رؤساء عشائر  كثيراً ما يتعرضون  إلى الهجوم و الانتقاد من قبل خصومهم , خاصة إذا كان هؤلاء الخصوم هم من يمتلك صناعة القرار في البلد , في محاولة لإسقاط هذه الرموز و إظهارها بمظهر العاجز عن تحقيق أهدافها و تلبية مطالب جماهيرها من اجل خلق فجوة بينها وبين هذه الجماهير المؤيدة لها , و ذلك عن طريق إلصاق مختلف التهم بها وعليها . المحافظات السنية التي طالبت المالكي  برفع الظلم عنها وعن أهلها مراراً و تكراراً و بشكل سلمي قابلها المالكي بالحديد و النار  و مطاردة رموزها و تلفيق التهم الجاهزة لهم , و منها ما حصل للنائب احمد العلواني المحكوم بالاعدام حاليا , ثم مذكرة اعتقال الدكتور رافع العيساوي من قبل قضاء خاضع للمالكي , ومن قبل هؤلاء ومن بعدهم الكثيرون , بحيث أصبح مؤكدا أن كل من يعارض المالكي مصيره الاعتقال و لاحقا السجن أو الاعدام و التهم المفبركة جاهزة دائما .
       أزاء هذه الفوضى و غياب كامل للعدالة , لجأت الرموز الوطنية المدافعة عن حقوق أهل السنة مضطرة إلى الانتقال إلى أماكن آمنة بعيدا عن أجهزة المالكي الأمنية و القضائية , كي تستطيع الاستمرار في عملها وصولا لتحقيق أهدافها , الأكثرية ذهبت إلى اربيل كي يبقوا قريبين يتابعون  الأحداث و منهم من ذهب إلى عمان و غيرها من المدن , ومن هذه الأماكن الجديدة استمروا بالمطالبة بحقوق جماهيرهم , خصوم هذه الرموز الوطنية يعيبون عليهم ترك مدنهم و جماهيرهم في محاولة لتأليب جماهيرهم عليهم , و إظهارهم و كأنهم خونة يعيشون في الفنادق الفارهة تاركين جماهيرهم تواجه مصيرها لوحدها . هذه الرموز الوطنية بسبب مواقفها الرافضة للظلم , تصبح لها كاريزما شعبية ( إذا جاز التعبير ) و أمام هذه الشعبية  يصبح لديها خياران أما  أن تبقى مع جماهيرها معرضة نفسها للاعتقال وبذلك تكون نهايتها و نهاية آمال جماهيرها عليها , أو أن تنتقل إلى مكان آمن تستطيع من خلاله التواصل مع جماهيرها , هذا الانتقال من مكان خطر إلى مكان آمن قد يبدو ظاهرياً انه تراجع  و نكوص عن مشروع رفع الظلم الذي رفعه هؤلاء القادة , وهذا هو الوتر الذي يضرب عليه خصومهم من أن القادة قد تركوا جمهورهم لوحده يقاسي الأمرين , لكن … هل من الشجاعة و الحكمة أن تجعل هذه الرموز الوطنية نفسها لقمة سائغة و صيدا سهلاً لعدوها الظالم المتربص بها , أم ان ذلك سيكون عملاً متهوراً نتائجه كارثية عليها وعلى أنصارها , هناك خيط ( قد لا يكون رفيعاً )  ما بين الشجاعة و التهور . 
        أما مصطلحات ( ثوار الفنادق ) أو ( مناضلي الفنادق ) التي يطلقها الخصوم فهي تعبر عن غياب الحجة إن لم يكن الإفلاس فكراً و سياسة وهي مثيرة للضحك أيضاً , إذ أين يذهب هؤلاء القادة ؟ هل ينامون في الحدائق العامة ؟ أم ينصبوا خيم في الصحراء ينامون فيها ؟ و كون الفندق  نجمة واحدة أو سبعة نجوم فهذه مسألة ليست ذي شأن أو أهمية . الاستمرار في النضال من مكان آمن مجبراً ليس عيباً و لا هي خيانة , العيب و الخيانة هي ان تسرق شعبك , العيب و الخيانة هي أن تسمح لدولة اخرى أن تحكم و تتحكم بشعبك , العيب و الخيانة ان تقتل النساء و الاطفال بالبراميل المتفجرة … و سأكتفي بهذه الأمثلة القليلة لأن قائمة الأمثلة طويلة و عاشها العراقيون و يعرفوها جيداً.
       التاريخ يزخر بتجارب لرموز وطنية خاضت النضال من خارج وطنها و نجحت في إنقاذ شعوبها من الطغاة , مما يعطي الدليل على أن استمرار النضال من خارج الأرض أو الوطن مسألة تستحق التأمل و التقدير , و سأقدم بعض الأمثلة المختصرة على ذلك :
      الجنرال ديغول : كان ديغول يقود المقاومة الفرنسية و معركة تحرير بلده فرنسا من لندن , و بمساعدة الحلفاء نجح في إنقاذ فرنسا من النازي هتلر .
      الملا مصطفى البارزاني : غادر و عائلته إلى ايران , و منها إلى روسيا و بقي هناك إلى العام 1959حيث عاد إلى العراق .
       عبد الله أوجلان : الزعيم الكردي التركي لجأ إلى سورية , ثم أخرجته سوريا من أراضيها بعد التهديد التركي إلى أن تم القبض عليه في احد مطارات كينيا بمساعدة المخابرات المركزية الامريكية حيث نقل إلى تركيا و تم سجنه و لحد الآن .
       العراقيون الذين تركوا العراق إلى السعودية ( معسكر رفحا ) بعد أحداث العام 1991.
       و أختم الأمثلة بخاتم الأنبياء سيدنا محمد ( ص ) الذي غادر مكة هو و أصحابه إلى الحبشة عند النجاشي المسيحي بعيداً عن شر و بطش قريش , مستمرا في إيصال رسالته السماوية إلى البشر و التي انتهت بانتشار الاسلام في أصقاع المعمورة .
       و المفارقة العجيبة الغريبة إن الذين يعيبون على الرموز الوطنية  ذهابها إلى اربيل و غيرها من المدن هم كانوا أنفسهم خارج العراق , أين كانوا ؟ كانوا في طهران و دمشق و بيروت و عمان و لندن و باريس و مونتريال و واشنطن و أوسلو و استوكهولم و كوبنهاكن و هلسنكي و أمستردام وغيرها من المدن , و يسكنون في الفنادق و الشقق و الفلل  و يعقدون المؤتمرات و الاجتماعات بين فترة و اخرى في هذه العاصمة أو تلك , فلماذا لم يتركوا فنادقهم و شققهم و يأتوا إلى العراق ؟ أليس خوفاً من بطش النظام السابق بهم ؟  لكنهم جاءوا مهرولين وراء الدبابات الامريكية عند احتلال العراق عام 2003 , و نصبتهم امريكا حكاما على العراق , و لولا الغزو الأمريكي لما وصل واحد منهم إلى العراق , فلماذا لا تنظرون إلى أنفسكم قبل مهاجمة الآخرين ؟
           لقد صدق من قال إن كان بيتك من زجاج  فلا ترمي الناس بحجر , و الأفضل و الأحسن أن تضعوا هذا الحجر في جيوبكم لعله يجعلكم أكثر ثقلاً كي يحصل عندكم توازن في  أجسامكم و عقولكم أيضاً .