رحل لوكانيكوس مبكرا بعد نضال طويل خاضه منتفضا على سياسات البلد الذي يعيش فيه, ترك الما وحزنا لكل محبيه وكل من وقف معه في تلك الانتفاضة, مجدته المنظمات المناوئة للسياسات الحكومية التعسفية و ملأت صوره واجهات الصحف والمجلات و رسمه الرسامون على جدران الابنية وتغنى به المغنون و كتب عنه الكتاب.
لقد كان لوكانيكوس يخرج منذ الصباح الباكر ولا يعود الا بعد حلول الظلام ليلا, كان يقف بكل ثبات أمام الالاف من رجال الأمن و قوات الدرك وقوات مكافحة الشغب اليونانية بعدتها دون خوف أو وجل, لم يكن يفكر بالأكل أو الشرب أو بالمكاسب التي سيحصل عليها لاحقا لو نجحت انتفاضة اليونانيين ضد سياسات حكومتهم, كان يتقدم المتظاهرين وكان يلتقط قنابل الغاز المسيل للدموع ليرميها بعيدا عنهم وكان يهاجم الشرطة بكل بسالة وشجاعة ويحاول منعهم حين يتقدمون لتفريق المتظاهرين.
لوكانيكوس لم يخرج في التلفزيون ليسطر الكلمات المنمقة ويتغنى ببطولاته ولم يقف امام الكامرات ليظهر نفسه متبجحا بما قدم ولم يلتقط صورا بطريقة (صورني واني ما أدري) أو بوضعية السيلفي ليضعها على مواقع التواصل الاجتماعي بحثا عن الشهرة بيد أنه إشتهر تلقائيا حين سلطت عليه الأضواء دون أن يعلم أو ينتبه أو حتى ليكترث, كل ذلك لشجاعته وبطولته و ارادته فهو يشعر بأن وجوده كان مهما لدعم تلك الانتفاضة التي أخرجت اليونان من نفق السياسيات الحكومية المظلمة ليعيش هو وباقي مخلوقات الله بسلام وسعادة ينعمون بما وهبهم الله من نعم بددها الساسة بفسادهم وسوء استخدامهم للسلطة.
أصبح لوكانيوس شخصية العام 2011 وتصدر غلاف صحيفة التايمز البريطانية التي اختارته كأفضل شخصية ذلك العام بكل جدارة, صار مشهورا على نيته وسليقته ولم يكن يوما يفكر بغير المأوى الهاديء ولقمة العيش الكريمة و الأهتمام به وبغيره من المخلوقات وأهمها الإنسان الذي صار أرخص سلعة تبيعها وتشتريها الحكومات الدكتاتورية حتى في الدول المتقدمة.
لم يسع لوكانيكوس الى منصب أو جاه ولم يرشح للبرلمان ليختفي خلف جدرانه صامتا ذليلا تحركه الخيوط التي تمسكها أيادي رؤساء الكتل والتيارات ولم يكن وزيرا خانعا خاشعا للحزب الذي نصبه ليقدم فروض الولاء والطاعة ويقبل الأيادي البيضاء المختمة بخواتم الورع والتقوى ولم يقف عند باب أحد الرموز ليطلب منه مفتاحا للجنة أو ليكون قربانا له ولعائلته المنعمين بكل وسائل النعمة في حين لا يجد مأكلا أو ملبسا أو مسكنا في الأرض ليجدها في السماء وفقا للوعود التي يمنحها إياه الدجالون.
بقي لوكانيكوس صامدا لسنوات بوجه الشرطة والدرك وقوات الأمن لكنها لم تعتد يوما عليه أو تحاول اعتقاله تحت مسميات مكافحة الإرهاب وإثارة الشغب والتحريض أو اغتياله بكاتم جبان للتخلص منه ومن وجع الرأس الذي سببته شهرته التي جعلت مستويات الرأي العام في أعلى حدودها ضد سياسات الحكومات وتعسفها وفسادها.
يا سادتي, لمن لا يعرف لوكانيكوس, إنه ليس بشرا إنما هو كلب خلقه الله وفيا بالفطرة وضاعف فيه ذلك الوفاء, فالكلب معروف بوفائه لكن لوكانيكوس متميزا بمستوى وفائه فكرمه العالم على بطولاته ووفائه وشجاعته و لست هنا لأقارن لوكانيكوس بأبطال انتفاضة تشرين المستمرة و حاشا لهم مقارنتهم بكلب, لكني أقارن سلوك الحكام و ذيولهم من الذين وقفوا ضد أبناء شعبهم من البشر وقتلوا وجرحوا واعتقلوا واغتصبوا واعتدوا بالكلام البذيء على أعراض المتظاهرين والمتظاهرات في الوقت الذي لم تتقدم قوات الأمن برمتها نحو حيوان, وأقارن هنا مع الكلب الذي أثبت بطولة منقطعة النظير وبين كبار القوم ونخبه الذين فضلوا الجلوس في بيوتهم خوفا على امتيازاتهم أو خرجوا لألتقاط صور السليفي لنشرها في مواقع التواصل الاجتماعي لذر الرماد في العيون أو أولئك الذين ركبوا الموجة وإحتلوا شاشات الفضائيات مدعين وقوفهم في قلب الحدث وهم غارقون في العسل في منتجعات تركيا و جبال لبنان, وأقارن موقفه بموقف تلك العمائم التي انقلبت على المتظاهرين وأطلقت وحوشها تحت مسميات شتى لتمزق أجساد الشباب وتشرب من دمائهم.
أي حكومات وأي منافقين أولئك الذين لم يصلوا الى موقف لوكانيكوس وأي بشر تصبح خرافا تسوقها فتاوى الدجالين التي تنصب في مصلحة الفاسدين تحت مسمى المقدس وأي عار سيركب أولئك الذين اغتالوا وشردوا واعتقلوا رموز الانتفاضة وأصحاب الكلمة وغيبوهم لأنهم خرجوا من أجل الحق؟؟
والله لقد شرفكم لوكانيكوس بمواقفه رغم انه كلب و أثبت وفائه اللامتناهي لقضية شعب لم يفقهها بواقعها لكنه أحس جسامتها بغريزته الحيوانية التي أفتقدموها و أنتم بشر, سيبقى لوكانيكوس الكلب خالدا بموقفه النبيل وستذهبون الى مزبلة التاريخ بمواقفكم المخزية….