رسالة إلى صديق ..
أتعتقد ان هناك فرصة لمحاولة التخلص من الجنون أو بالأحرى أما زلت تعتقد أن عقولنا سليمة وهي تكتب الشعر؟ أشك جداً خاصة عندما أرى إنني لا أرى القصيدة وهي تكتبني، أحياناً أنظر في المرآة فأرى شخصاً آخر فيها قد أكون أنا الذي يرفضني وينتفض ضدي وضد محاولاتي في تزيين الوجوه الواجمة وقد يكون هو الذي أتمنى أن أكونه لأنه مجرد صورة لا تراني مثلما أراها ولا تحتمل فيّ العقلانية، التي تمقتها، مثلما أحتملها فيها . أرى وجهي كأنه طريق ترابية مّرت عليها أشكال شتى حتى أختلطت آثارها فبدا وكأنه لوحة سريالية لرسام ما، وعندما يأتي الشعر يعيد ترتيب كل هذه الآثار لأقبل منها ما تركته أنثى ذات يوم بلمحة عابرة. لقد أدركت أخيراً أن حقيقة المنفى غير مرتبطة بعلم الجغرافية منذ العهد البابلي لسبب وجيز هو هذه المعادلة المتساوية الاطراف، المكان = المكان ويصادق على قولي هذا وجود من لا مكان لهم في أرض بعينها يسمونها وطناً لكن الحقيقة أنهم منفيون وراء حدود الإنسانية التي لا تتعدى جهات الكون، أما نحن فلسنا بمنفى لكن حياتنا قد تكون قصيرة أو غير كافية لعناق ما نأنسه من الجمادات والتفاصيل الصغيرة . جغرفةً البلاد لها شأن آخر خصوصاً وأنا أتوجه إليك بهذا السؤال: حين كنت تغادر العراق في تلك الأيام ألم يغتالك الحنين؟ أما أنا فأحس به يلاحقني في كل المنعطفات ويقف حائلاً بيني وبين حب المدن الأخرى، مدن البراءة والجمال والخرافة، ستقول لي مبتسماً معك حق، ولكن لابد من المواصلة لا لشيء فقط من أجل الشعر على الأقل، ألم يستحق الشعر مثل هذه التضحية؟ أفترض إني أوافقك، ولكن بماذا تفسر عزوف العراق عن المجئ في الحلم؟ ستقول لي دعه للقاء مرتقب عند ناصية القصيدة، إذّاك يبطل أن يكون مجرد مزمار للاحساس المكبوت أو مجرد ومضة خاطفة أخرى وينتهي كل شيء، لعلّك توافقني أن لابد لنا من محاولة جديدة للتفسير، لأنه لابد لنا أيضاً من إيجاد منفذ للخروج ولأن تحديد المنفذ يحتاج في ذات الوقت إلى عدة محاولات نعتمدها كأساس لبناء نظام استراتيجي شعري متكامل للخروج من المأزق كي نصل إلى الضفة الأخرى ولنّرد الأعتبار إلى شفافية المعنى أو الكلمة وحيويتها في عملية ترميم القصيدة ولتبّق الأفكار الشعرية المؤجلة شاخصة في وجه المحاولات التي تبذل لوأدها في مناخ من الرعب واللامعنى والغياب .