شهدت الساحة العراقية في الاونة الاخيرة ، حراك واسع شمل مختلف الاصعدة السياسية والدبلوماسية، تزامن هذا الحراك مع الانتصارات الكبيرة، التي تحققها القوات الامنية بمختلف صنوفها، فلن يبقى الا النزر اليسير من الموصل، ليعلن تحرير المدينة بصورة كاملة.
زيارة وزير الخارجية السعودي الى بغداد، لاول مرة بعد سقوط نظام البعث. حملت مؤشرات مشجعة، لنهاية فصل العلاقات المتوترة والمهاترات بين البلديين، خصوصاً بعد تصريحات وزير الخارجية السعودية، التي اثنى فيها بانتصارات الجيش العراقي المتحققة على داعش، والتي تنم عن تغير في موقف السعودية المتشدد اتجاة بغداد.
عودة الطرف السعودي الى طاولة الحوار، والعمل مع العراق لتحقيق المصالح المشتركة، لها عدة اسباب مهمة للجانب السعودي.
راهنت اكثر دول المنطقة، على استحالة خروج العراق من وحل داعش، وكانوا يتوقعون ويعملون لغرض تقسيم العراق، لكن مرجعية النجف، كان لها رأي مغاير، لتصدح بفتواها التاريخية، فتسابق العراقيون لتحرير وطنهم من رجس شرار الارض، ويسقوهم الذل والموت، في لوحات عراقية اسطورية سينحني التاريخ امامها طويلاً.
هذه الملحمة العراقية الخالصة، جعلت بقية الدول، تعلم جيداً ان في العراق رجالاً تحميه، ولايمكن ان تسمح لاي قوى ارهابية او اجندات خارجية، او مخططات تقسيم عرقية او فتنة مذهبية، ان تمرر مهما كان حجمها واساليب تنفيذها، او عناوين مخطيطها.
السعودية تسوق لنفسها كقوة اقليمية مؤثرة في الشرق الاوسط، ومنافسة للنفوذ الايراني الممتد بشكل واسع في بؤر الصراع العربية. لذلك تسعى لاقامة علاقات قوية مع العراق، للحد من النفوذ الايراني داخل العراق، وان كانت هذه الخطوة من السعودية متأخرة جداً. لكن ان تأتي متأخراً افضل من ان الا تاتي.
لا ننسى ان داعش انهارت قواعده في العراق، وهو الآن يلفظ انفاسه الاخيرة، لذلك سوف تبحث هذه الجماعات عن مساحات جديدة، وبيئة ملائمة لاستعادة التنظيم بعض من قوته، ولعلنا لانجافي الحقيقة، اذا قلنا ان الاختيار الاول لداعش ستكون السعودية، لوجود حواضن خصبة، لمثل هذه الجماعات، كونها بالاساس النظام السعودي، بسبب سياسته الطائفية واساليبه القمعية، لكن انقلب السحر على الساحر.
هذا التقارب الاخير بين الدولتين المتجاورتين، أثر ايجاباً في الداخل العراقي، فنلاحظ شخصيات سنية عُرفت بالتعصب والنفس الطائفي سابقاً، اصبحت اليوم اكثر انفتاحاً ووسطية، تشيد ببطولات الجيش العراقي والحشد الشعبي. وتدعو للجلوس على طاولة الحوار بدون شروط مسبقة، من ابرز هذه الشخصيات الامين العام للمشروع العربي خميس الخنجر.
ان هذه الانجازات التي حققها العراق، والقوة الخارجية التي اكتسبها، لم تأتي من سراب، بل شُيدت على تضحيات ودماء الجيش العراقي والحشد الشعبي وكل المُحررين للارض، وعلى آلآم النازحين ومعاناتهم، وتدمير ممتلكاتهم ومدنهم.
بعد كل الخسائر الهائلة التي تكبدها العراق، هل فهم جميع العراقيين الدرس؟، ان العراق لايمكن ان يتحقق فيه الامن والاستقرار والرفاهة ، الا بالمشاركة الفعالة لجميع مكوناته، بدون تهميش طرف او اقصاء طرف آخر، ووفق الاستحقاق الانتخابي. ام مثل كل مرة (نتعب والتعب يروح للغير) !