مع ان الانتخابات القادمة في العراق تكتسب أهمية خاصة كونها ستلعب دورا مفصليا في مساره المستقبلي على الصعيدين الداخلي والخارجي ، الاّ أن المشاركة فيها ربما ستكون ضئيلة قياسا الى الانتخابات التي سبقتها . فالعملية السياسية التي تمخضت بعد أحتلال العراق عن ابتداع مبدأ المحاصة الذي رسّخ ظاهرة الاسلام السياسي تكرّر نفسها ، والانتخابات ستجري على اساسها من حيث المضمون كما انها من حيث الشكل ستنجزها قوى هذه المحاصصة ذاتها التي خاضت الانتخابات السابقة حتى لو ارتدى البعض منها ثوبا مدنيا . والنتيجة لا تغيير سيحصل! وهذا استنتاج منطقي لو كنّا نعيش الظروف نفسها لعام 2014 .
العملية الانتخابية السابقة دارت بين طبقي رحى الولايات المتحدة وايران . وتيمّنا بالطريقة الايرانية ، فقد أفرزت تلك الانتخابات وباتفاق طبقي الرحى على الاصلاحي الدكتور حيدر العبادي لرئاسة مجلس الوزراء وأبعدت المحافظ السيد نوري المالكي عنها . واذا كانت الولايات المتحدة تفضّل اصلاحيّي ايران على محافظيها ، فهي ستفعل الشيء نفسه مع اصلاحيّ العراق . هذا سيصح لو ان الموجود في رئاسة الولايات المتحدة باراك أوباما وليس دونالد ترامب ، وموقف الاخير في خصومته مع أيران اشهر من نار على علم . فماذا يعني هذا الامر بالنسبة للدكتور العبادي اذا ما حصل على ولاية ثانية؟ يعني ان يتخلى العبادي عن مسك العصا من الوسط ، السياسة التي ظل محافظا عليها طوال السنوات الاربعة الماضية .
الانتخابات القادمة ستدور بين طبقي الرحى ذاتها ، ولكن في ظروف داخلية وخارجية مختلفه تماما عمّا كان عليه الحال عام 2014 . على المستوى الداخلي تحقق شيئان مهمّان هما الانتصار على داعش ، واستعادة الحكومة الاتحادية سيطرتها على المناطق المتنازع عليها وأهمّها مدينة كركوك . وعلى المستوى الدولي جاء ترامب رئيسا للولايات المتحدة ، ووضع تقليم اظافر ايران في صلب ستراتيجيته في الشرق الاوسط ، واول ما فعله اطلق النار على الاتفاق النووي الايراني داعيا الغرب الى ان يحذو حذوه ، وهو الان يعمل على تقليص النفوذ الايراني في المنطقة ، والعراق كما هو معروف قلعتها المحروسة بالحشد الشعبي . اذن ما هو المطلوب أمريكيا من العبادي في ولايته الثانية ؟ سيطلب منه ان يمسك العصا من ثلثها . ثلث لأيران وثلثان للولايات المتحدة ، بمعنى ليس المطلوب منه ان يشهر توافقه مع سياسة ترامب أتجاه ايران بل المطلوب الحد من نفوذها في داخل العراق ، وليس المطلوب منه الدخول في اي تحالف عربي أو غيرعربي ضد ايران ، بل عليه تقوية علاقاته مع أقليمه العربي ، والشرطان لا يتحققان الاّ على اساس مقاربة سياسية تقوم على شراكة وطنية حقيقية لا يشعر فيها المكوّن السنّي أو الكوردي بأي غبن او تهميش وان الجميع مواطنون عراقيون من الدرجة نفسها ، وان تعطى الاهمية القصوى لأعادة اعمار المدن المدمّرة واعادة الاستقرار في تلك المناطق باسرع وقت ممكن حتى لا ترجع حاضنة لداعش مرة أخرى . وبعكس ذلك ، لا شيء يحول دون رجوع الاوضاع في العراق الى ما كانت علية قبل السادس عشر من تشرين أول الماضي ، أو ربما الى ابعد من ذلك. ولكن كيف يستطيع العبادي فعل كل ذلك وهو من نتاج العملية السياسية وقادم من قلب حزب الدعوة الحاكم !
لقد نجح حزب الدعوة لحد الآن في حلّ هذه المشكلة انتخابيا فجمع بين اتجاهين ، أتجاه الدعوة الاصلاحي ممثلا بالعبادي ، وحزب الدعوة المحافظ ممثلا بالمالكي . ولكن كيف سيكون الحال بعد الانتخابات ، حيث ستكون الغايات والوسائل متباعدة ، والمطلوب فعله من الدكتور العبادي أكبر بكثير مما يتحمله حزب الدعوة ! فهل يقرر حزب الدعوة عند هذه الحالة التخلي عن العبادي، أم ان العبادي يفكر في فك ارتباطه بحزب الدعوه ، وان فكّر بهذا الاتجاه فهل لديه الشجاعة على تنفيذه !
أما اذا جاء المالكي الى رئاسة مجلس الوزراء ، فهو اعلان لدعوة داعش مجددا . لقد انتصر العراق على داعش التنظيم ، بيد انّ داعش الفكرة لاتزال حيّة، وهي مهيأة للعودة ثانية كما حصل عام 2014 اذا ما توفرت لها ظروف ذلك العام . وما يغريها بالعودة ان حاضنتها لم تعد تخشى الخراب لأنها مهدّمه ، وان هذه الحاضنة منكسرة على نفسها مهمّشة ومهزومة ولا شيء عندها لتفقده.