1 – عطلة
سلسلة ُ صور أحلامً تأخذُ حيّزها يدفعُ بعضها بعضاً لا غصّة ولا كدرٌ كلُّ شيء يجري مجرى سلساً وأنا أطلّ من عل ٍ عليهم على مَنْ؟ أنا ايضاً لا أعرفهم لكني أراهم يزاحمُ بعضهم بعضاً كنتُ أجلس على سياج مبنى هو أعلى المباني والمدينة من تحتي هلامٌ غارق في الضباب والضبابُ شيء نادرٌ في صبيحة يوم صيفي مع ذلك كانت أحشاءُ المدينة مضببة بصعوبة أرى تفاصيل دروبها وحاراتها واسواقها لو مددتُ كفي لقطفتها وتستهويني النظرة الى الأفق الممتد أمام باصرتي فأنا اعرف كل أناسه ومحلاته التجارية على الميسرة بيتُ أخي ولطالما نمت على سطحه في أشهر الصيف يطلّ عليّ القمرُ أغلب ساعات الليل صبحاً أفتح عيني على زقزقة العصافير التي تستيقظ فجراً أو قبله اسحبُ اللحاف عليّ فالبرد يلسع أطرافي بردُ الصبح لا يؤذي لكني لا أتحمله ثمتئذ تنهضُ زوجة أخي لتهيء فطور الصبح في الباحة الواسعة ثلاثُ كتل : عائلة أخي وعيالُ أهلها ثم عائلة أخرى من أقربائهم أجّرت احدى الغرف وينامون على سطح ثان الصبحُ مضببٌ ينطوي على ذرات ندى لا مرئية تكادُ تبلل الأفرشة الفطورُ تقليدي جبن وقشطة وبيض مع الخبز والشاي تناولتُ بيضة وقشرتها وبعض القشطة والجبنُ لا أفضله عند حضور القشطة تمحور فطورُ الصبح على الثرثرة البريئة والضحك وكنتُ أسرد لهم بعض احلامي فيضحكون أغلبهم لا يتذكرون شيئاً من احلامهم كيف تتذكر احلامك ؟ تسألُ زوجة أخي أجيبها: لقد عودتُ نفسي على تذكرها بعضها احوّلها الى قصص وبعضها تظل شاحبة يتعذرُ سردها وتفتقر الى الوضوح. ثم أترك البيت الى أين؟ أنا في عطلة الصيف فلديّ أكثرُ من شهرين فالمقهى اذاً الأوفر حظاً لاستقبالي اجلس قريباً من ممر الدرب اقرأ في كتاب وارنو بين آونة وأخرى اليه استقيل تحيات بعض المعارف ويجيئني حسن صاحب المقهى فيجلس الى جانبي ويتطلع الى الكتاب بيدي وبرغم اميته فهو يحب الكتب ينظر في أغلفتها ويتصفحها ثم يعيدها اليّ وبودّه لو أسرد عليه ما أقرأ الأصدقاء ممن التقيهم ما زالوا يعملون لكننا عصراً نلتقي ونمضي وقتاً قصيراً بعد غروب الشمس في التجوال او في المقهى او في السينما وفي وقت مبكر بعد المساء نعود الى بيوتنا هم يعودون الى عيالهم وانا الى بيتنا واتناول العشاء مع أهلي أمّا نهاراً بعد الظهر فيضمنا سرداب بيتنا البارد نتغدى فيه ونأخذ قيلولة هادئة بعدها يهيء الشاي ونتناول الفاكهة ومحصلة أيام العطلة الصيفية راحة طويلة وقراءة عدد من الكتب ولقاء الأصدقاء والاسترخاء ففيها ننزف كل اتعاب أيامنا الدراسية بعدئذ بعد انقضاء العطلة نعود الى العمل اكثر نشاطاً
2 – غربة
بعد التعب بعد هدر الوقت ينشطر الحلمُ ويظهر رستم عائداً من سديم اندثاره الى دكانه كنتُ ابانئذ اجلس مع ابنه وهو صديق لا يُفارقني ولا نفترق نزل ( ع) الى السرداب لجلب بعض التوابل كان برفقة أبيه ابنة زوجته الجديدة ذات السنوات العشر رمقني بخبث فهو لا يرحب في قرارته بمقدمي وسمعت من صديقي أن أباه تزوج امرأة غريبة وارسل زوجنه مع بناته الى مدينة أخرى لتكون بجوار أهلها كنت اتناول بعض حبات القرع البيضاء لكني دسستها في جيبي عند دخوله الدكان الذي ينطوي على ألوان من التوابل والسكاكر والسكر والشاي والرز والسمن استغربتُ عوده من زمن اندثاره بعد وقت تركنا الدكان وربما
اغلق صديقي بابيه مشينا كلانا برفقة أبيه الى أين سألتُ نفسي ؟ وجاءني الجواب من صديقي: الى بيته يروم أن يُعرفني بامرأته وحين وصلنا بيته كانت الزوجة تخوض عراكاً مع بعض جاراتها تدخل هو وفضّ النزاع وبدت لي عدائية شرسة برغم مسحة جمال تعرو سيماءها لم ترحب بأحد ولا التفتت اليّ بل امسكت بيد ابنتها وولجت باب بيتها ولم يدعني صديقي أن ادخله بناءً على دعوة أبيه اعتذر ممسكاً بيدي ومضينا بعيداً سرنا فوق جدران عالية ورأيتُ على ميمنتي وميسرتي أناساً نائمين على السطوح استغربت أن يناموا في هذا الوقت من النهار الى أين تأخذني؟ سألتُ صديقي لم يجبني بل ضغط على يدي وكنا نسير فوق الجدران العالية اخيراً وصلنا الى ساحة مكتظة بالناس الضجيج يصعد من كل مكان صراخ الباعة والحوار العالي النبرة توقفتُ وسحبتُ يدي من قبضته قال: سأتركك هنا واذهب الى أيّ مكان تروم انا سأذهب الى بيتي وامراتي حامل ستضع وليدها بين لحظة وأخرى لكني سآخذها الى المشفى لتضع طفلها هناك اختفى صديقي وعليّ أن اختفي أيضاً ولا أدري حتى الآن أيّ مكان آواني وأين حططتُ قدمَيّ
3 – لا مبالاة
مبنى طريفٌ لا مثيل له الا في سرابيل الأحلام، وكوة ٌ تُريني مضاجع مُحرمة وعربة لها إطارات غريبة وامرأة أعرفها من زمن بعيد تحمل عصا طويلة ترميها بعشوائية الى زاوية شرفاتٌ ضيّقة نوافذُ لا ترى وراءها شيئاًأناسٌ نعرفهم ولا تعرفهم جاءوا من أصقاع أزمنة العمر ما زالوا كما عهدتهم لم يطلهم زمانُ الشيخوخة فأيّ مكان هذا ؟ كنتُ أتلصصُ على المرأة النائمة في الرواق الطويل من كوة عالية تنهض، تترك فراشها وتدسّ خرقة بالية فيها ثمّ تعود لتواصل نومها / الى متى ستنامُ وقد بلغ النهارُ منتصفه ؟ / لا عليك أنا حرّة وقد سهرتُ الليلة الماضية كلها استمع الى ثرثرة الضيوف الذين لم يُغادروا الا مع مطلع الفجر فلمَ تضجرُ مني وأنا لم الحق ضرراً بأحد ؛؛ / أتراجع منكس الرأس خجلاً من تصرفي أقف في الشرفة الضيقة اناسٌ يدخلون وآخرون يُغادرون تُرى أيّ الغرف والصالات تستقبلهم وأنا لم ارها بعيني الجدرانُ من زجاج سميك يميل الى الزرقة والشرفة ضيقة لا تسمح بعبور امرأة الى جواري فاضطرّ راجعاً لكي تمضي الى الطرف الثاني وكنتُ اريد قطع الشرفة الى الجهة المعاكسة المرأة النائمة قريبة لي وسمعتها تتوسل : / اخبرهم أن يخفضوا أصواتهم / لا استطيع كيف أقمع حريتهم اذهبي وابحثي عن مكان آخر / رمت اللحاف من فوقها وبانت ساقاها حتى نهاية الفخذين، حملت وسادتها واللحاف ومضت : / الى أين تذهبين ؟ / أبحث عن ملاذ آخر / لن تجدي مكاناً في هذا المبنى وكل الشقق مشغولة تسكنها ضيوفٌ وفدوا من أمكنة بعيدة / لم اكن اعرف شيئاً عن هذه الفوضى والا بقيتُ هناك / بوسعك أن تعودي اليه / فات الوقتُ ولن تُواتيني فرصة أخرى / اذا ارتدي ملابسك وانغمسي كالآخرين في الحياة / اوه، أية حياة ؟ أنا لا اعرف احداً منهم فهم منشغلون بالأكل والشرب /… ثم وجدتني اغادرها لكني سمعتها : / معك حقٌ سأمضي الى مكان آخر /
قلتُ : المبنى غريب من الزجاج الأزرق السميك جدرانه واسقفه، والأبواب كذلك من معدن يراوح بين الفضة والبرونز والناس مختلفو الأطوار كما لو أنهم ليسوا من هذا العالموأنا ما بالي متشبثٌ بهذا المكان؟ ففي مُكنتي أن أجد سواه ووجدتني انزل من الدرجات الى الباحة الواسعة حيث تكتظ بالموائد يجلس حولها اناسٌ غرباء جاءوا من اصقاع شتى , كانت المرأة التي تركتني تجلس الى طاولة فاشارت اليّ أن اجلس الى جوارها / ماذا تشرب ؟ / لا شيء / غير ممكن أنت تُحبّ الشاي في هذا الوقت من النهار / فجاء النادل ُبقدح وضعه أمامي / ما الذي جاء بك الى هنا ؟ سألتني / لا أدري ربّما مصادفة لعينة وأنت ِ ماالذي ساقك الى الى ذا المكان ؟ وأنا اعرفك أنك لا تُحبين الانخراط في الضجيج ومصاحبة الغرباء / أنت لستَ غريباً ردّت/ أنا لا اقصد نفسي / لم اصاحب أحداً ولم اكلم غيرك / وبعد ذلك ؟ / ماذا تقصد؟ / الى أين ستذهبين ؟ / ساحة الحلم واسعة والأمكنة كثيرة أنت ستذهب الى طرف وأنا الى حنية أخرى وسأجد ما
يُشغلُ وقتي /. ثمّ استغرق كلانا في الضحك بعد هنيهة قالتْ : لمَ لم تسأل عن مغزى ذلك المبنى منْ بناه ومتى ولأيّ غرض ؟ / أنا ايضاً استغربتُ كل ما رأيتُ ووجدتني في غرفة أشبه بحمام ضيق وتلك الكوة التي دلتني عليك وأنت تنامين هناك / أوه كنتُ متعبة جئتُ من سفر بعيد وكان عليّ أن أنام فما أن وجدتُ فراشاً فارغاً حتي اندسستُ فيه ولم يسألني أحدٌ : لمَ أخذتِ مكاني /…. اذاً سأغادرك ربّما سنلتقي في المستقبل وحتى ذلك الحين أتمنى لكِ وقتاً طيباً وفيما كنت احتسي بقية الشاي توغلت قامتها بين الجموع ثم اختفت…