5 نوفمبر، 2024 1:54 م
Search
Close this search box.

ثلاثية الإيمان والعقل والدين 5/8

ثلاثية الإيمان والعقل والدين 5/8

العقليون، الدينيون منهم، والمؤمنون اللادينيون، يقولون باستقلال العقل الأخلاقي بالاستحسان والاستقباح، بينما الدينيون النصيون لا يوافقون على اعتماد العقل، بل يقولون إن ما حسنه الشرع فهو حسن، وما قبحه فهو قبيح. العقليون الدينيون يتفقون معهم في جانب ويختلفون في جانب، فهم فيما يتفقون معهم هو إن كل ما يحسنه الشرع حسن، وكل ما يقبحه قبيح، ولكن مع هذا فإن العقل مستقل في قدرته على الحكم بحسن أو قبح السلوكيات والقيم. أما العقليون اللادينيون، فيقولون إن العقل في الحكم بحسن وقبح الأشياء مستقل عن الدين، حتى لو تعارض حكمه مع الدين. فهم إذن الوجه المعاكس للدينيين اللاعقليين أو النصيين، لأن أولئك يحسنون ما يحسنه الدين حتى لو قبحه العقل، ويقبحون ما يقبحه الدين حتى لو حسنه العقل.

هناك من العقليين الدينيين، من يحاول أن يوفق بين عقليته ودينيته، [وهذا ما كنت أزاوله في عقد اعتمادي لمنهج تأصيل مرجعية العقل]، عندما يصطدم بنص ديني يتعارض مع ضرورات العقل. فهم هنا إما يكذّبون النص الديني إذا كان حديثا أو رواية، أو لا أقل يشكّكون بصحة صدوره، أما إذا كان يقيني الصدور، كأن يكون قرآنا أو حديثا صحيحا، إذا تعلق الأمر بالإسلام، فيعمدون إلى تأويل ذلك النص إلى ما يتوافق مع العقل، سواء كان العقل الفلسفي أو الأخلاقي. لماذا؟ إنهم يجدون أنفسهم أمام خيارين صعبين، إما أن ينفوا صدق الدين، لتعارض عدد من مقولاته مع ضرورات العقل، أو يرون أنفسهم مضطرين للقبول بنسبة القبيح إلى الله، تنزه عن ذلك تمام تنزهه، فيسلكون هنا سلوك الدينيين النصيين، فيعطلون العقل في هذا المفصل، ويناقضون منهجهم العقلي، بحجة وجوب التعبد بالنص، ويتحولون إلى تبريريين، فيقرون بعجز عقولهم عن إدراك الحكمة الإلهية التي تكمن وراء تلك المقولة، سواء كانت من الأحكام أو من أي نوع من المقولات الدينية. أو قسم منهم ممن يملكون شجاعة الشك، لا يكتفون بتأويل ما هو غير عقلي إلى ما هو عقلي، بل يتحولون إلى مؤمنين ظنيين، وقد يرتبون الأثر على إيمانهم الظني، وهذا فيه تفصيل يطول بيانه [ومر التفصيل فيه في هذا الكتاب والكتاب الذي قبله «الله من أسر الدين إلى فضاءات العقل»]. وعلى أي حال يمكن نعت هؤلاء باللاأدريين الدينيين من الإلهيين. وربما يتحول بعض منهم إلى مؤمنين لادينيين، والذي يجعلهم يملكون شجاعتهم في حسم هذا الخيار، دون دعوى أنهم اكتشفوا الحقيقة المطلقة النهائية، هو يقينهم بالله، وثقتهم به، وحسن ظنهم برحمته، بحيث لا يخشون عذابه، إذا ما تبين خطأ مبناهم، بسبب ما يعتمدونه من فلسفة إيمانية تستند إلى قاعدة العدل الإلهي المطلق، وهي أن من الممتنعات العقلية عندهم أن يعذب الله الإنسان على ما لا اختيار له فيه، ولكون القناعات لاسيما في الممكنات العقلية ليست اختيارية، فالإنسان إما يقتنع فيصدق بطمأنينة قلبية واستقرار نفسي، أو يتصنع التصديق، ويبقى في قرارة نفسه غير مصدق، أو شاكا بدرجة أو أخرى.

أحدث المقالات

أحدث المقالات