23 ديسمبر، 2024 10:09 ص

(( مدينة صغيرة تقع في أحدى بلدان الدول الغربية يعيش فيها خليط غير متجانس من الأديان والأعراق والجنسيات والقوميات الذين ضرب بهم موج البحر بمراكب الهجرة والهرب من دولهم لأسباب شتى السياسية والاجتماعية والطائفية والاضطهاد والعوز حيث أصبحت هذه المدينة ملاذا آمنا لهم ليحطوا الرحال المثقل بالهموم والمشاكل من على ظهورهم المتعبة للحياة متشاركون حياتهم بهدوء كهدوء نفوسهم المحبة للاستقرار بعدما فقدوها في بلدانهم حيث وضعوا آمالهم على رفوف سنين عمرهم إلى غير رجعة ليحصلوا على العيش الرغيد لهم ولأسرهم والطموح وتحقيق الأحلام والحب النقي الصافي من أدران التشويه والتزييف للحقيقة التي شوهت نفوس الآخرين . كان الصباح المشرق الهادئ بنوره الذي يغشي المدينة الجميلة بأشجارها وشوارعها المتفرعة إلى البيوت لتشكل خارطة من الحياة الرائعة الهادئة بعيدا عن ضجيج مدن بلدانهم وعيونهم على الأقرباء والأحبة تربطهم المحبة والتواصل وكسب المال للعيش وتوفير قوت يومهم وشهرهم فالكل مشغول في العمل المضني ليستقر كل واحد منهم مساءا مع عائلته التي تنتظره بشغف ولهفة محاطا بأسرته الصغيرة التي كونها . وعند حلول المساء وهدوء المدينة من ضجيج العمل والحركة يطوف السكون في سمائها ويبدأ الناس بإعادة الحيوية والنشاط وفسح المجال لأنفسهم المتعبة بأخذ قسطا من الراحة وإمتاعها في المقاهي الصغيرة الممتدة على طول الرصيف وأكواب الشاي والشراب بأنواعها تزين الطاولات مع الورود الطبيعية وتزدحم الأسواق بروادها . تبدأ حلقات السمر واللعب بكافة أنواعه كل حسب طريقته بعدها تأخذ كل الفوارق المعقدة العالقة في أذهانهم البشرية بالذوبان أمام هذا التواصل والحب المكنون في داخل هذه النفوس لا تستطيع أن تفرق بينهما من أي جنس أو دين أو طائفة أو بلد الكل ذائبا في بودقة واحدة وهي المحبة ونقاء النفس وإزالة الهموم المحملين بها في بلدانهم ليضعوها على طاولة اللعب والسهر والتمتع بالمساء الجميل . جلس سامر الشاب وهو في مقتبل العمر ذو سحنة شرقية مميزة بقوامه الرائع والأدب والأخلاق الذي يميزه بين أقرانه ومحلته كان يجلس في المقهى المطلة على الشارع كعادته في نهاية كل أسبوع عصرا وهو ينتظر كوب القهوة ليعطر بها فمه وأنفه برائحتها التي تقدمها الكازينو التي يرتادها .أخذ الطاولة القريبة على الشارع بقرب النافذة يدس رأسه بين صفحات الجريدة اليومية ليتصفح ما يدور في العالم ومتابعة أحداث بلاده فأشار بيده طالبا فيها قهوته بعد برهة أحس بأنامل طرية لم يعهدها سابقا تضع الكوب على الطاولة برشاقة وخفة وحذر ولباقة لسان جميل رفع طرف عينيه ليدقق لمن تنتمي هذه الأنامل وإذا بملاك يقف أمامه مشرق الوجه تملئه الابتسامة فتاة شابة أخذت من لبه الكثير سافر معه إلى عالم الخيال بلحظات قليلة مرت عليه راح يدقق النظر في هذا الكائن الجميل من شعرها المتدلي إلى وراء كتفها وقوامها الممشوق وبدلت العمل التي تزيدها جمالا ورقة لتضع كوب القهوة تاركة إياه بلهفته ودهشته بعد هذا المشهد الجميل أخذ سامر يرتاد المقهى يوميا ليمتع ناظره بهذا الوجه الملائكي يراقبه عن كثب وخلسة . أخذت الفتاة من عقله مأخذا راح يفتش عن أسرتها وأسمها وعنوانها لأنه لم يستطع الصبر على عدم رؤيتها يوميا فتوصل إلى ما أراد عن طريق بعض أصحابه عرف عنها أنها فتاة من أسرة صغيرة تسكن أطراف المدينة تساعد أهلها عن طريق عملها في المقهى أسمها ( سارة ) مسيحية الديانة على قدر من الحشمة والأخلاق التي تمتاز بها بشهود الآخرين مما زاده تمسكا بها ورغبة جامحة في التعرف عليها وعن طريق أحد الأصدقاء أستطاع أن يحقق أول لقاء معها على إنفراد ليبوح ما بداخله اتجاهها وأنه توصل إلى قناعة تامة بأنها كل شيء في حياته ولا بد أن يكملا مشوارهم سويا حتى النهاية في تكوين أسرة صغيرة وقد تكررت هذه اللقاءات مرارا زادت العلاقة وتعمقت أكثر فأكثر وأخضرت ورود المحبة على أغصان حديقة حياتهما . أسر ( سامر ) أعز صديق له في العمل وهو ( داوود ) من الديانة اليهودية كان له صديقا مقربا جدا له كونه من نفس البلد الذي عاشا فيه سويا قبل الهجرة وصندوق أسراره المقفل ومن المقربين لعائلته فأطلعه على سره ومشروعه المستقبلي بالزواج من سارة المسيحية أندهش ( داوود ) في بادئ الأمر كونه غريبا بعض الشيء لاختلاف ديانتهما وقد يشكل هذا عائقا بينهما في أتمام هذا المشروع استطاع سامر أن يحقق لقاءا مع والد سارة بحضور صديقه داوود في بيتها حيث جرى هذا الحديث المثمر

والد سارة : هل يجيز دينكم الزواج من غير الدين الإسلامي .

سامر     : نعم أن الله سبحانه وتعالى واحد لا يفرق بين أحد من خلقه وحرية المعتقد والدين كفيل بصاحبه ما دام عبوديته وعبادته لله الواحد الأحد وهي غاية الإنسان .وعلاقته بربه .

داوود     : وكيف ذلك والأديان مختلفة في التطبيق والمعاملات والعبادات ألم يؤثر هذا في التفاهمات الحياتية والاعتقاد ؟

سامر      : كلا يا أخي والدليل أن نبينا محمد صلوات الله عليه قد تزوج منكم ومن المسيحية والاثنتين كانتا زوجا مخلصا وكريمتان له

والد سارة  : أردت باستفساري هذا الاطمئنان على أبنتي أكثر وأنا متأكد أنك سوف تسعدها بعدما عرفته عنك وعن عائلتك .

داوود       : نعم وأنا شاهد على ذلك وأستطيع أن أزكي سامر بذلك لأني عرفته منذ الطفولة والشباب فأخلاقه مشهود لها من قبل الجميع .

سامر        :  أن الإسلام دين شامل لكل الأديان ولا يعرف الفرقة وجاء مكملا لها في العقيدة والعبادة لله تعالى وحده يميزه المحبة والسماحة والإنسانية والعدل والأنصاف للبشر تذوب فيه الفوارق الطبقية والمعتقدات في بودقة عبادة الله وحده .

والد سارة    : نعم أعرف ذلك فقد كانت لنا صداقات وروابط اجتماعية وشيجة في بلدي نكاد لا نفرق بين أبناء المحلة ولا نسأل عن دينهم يوما بقدر ما تربطنا العلاقات الطيبة أما الآن وقد تغير كل شيء وأصبح التناحر والضغينة والأحقاد وتزييف حقيقة الأديان والمعتقدات من أعدائنا تزرع في النفوس .

داوود        : نعم أن أي عاقل يفكر بعقلانية وتبصر يعرف أن الرب العظيم منزل الرسالة على أنبيائه الكرام باختلاف رسالاتهم السماوية لا يفرق بينهما في التطبيق والمنهج الموحد ما دام هو الرب الواحد الأحد لكل الأديان الثلاث وهذا ما سمعناه من آبائنا وأجدادنا وآبائهم والتعامل مع بعضهم البعض على قدر من المساواة فقد كان لنا أخوة في الإنسانية والدين نعبد الله وحده بطرق مختلفة والغاية واحدة .

سامر        : لهذا ستكون أبنتك سارة مصونة بأيدي أمينة بين أهلي ولن يفرق حبنا أي فارق كان وستكون زهرة مورقة تسقى من دماء قلبي وداري بستانها الواسع .

والد سارة    : الحمد لله قد زال خوفي وقلقي وأطمئن قلبي حيال ذلك وخاصة ما عرفته من علو الأخلاق والأدب والمنزلة الرفيعة لديكم .

داوود        : هل هذا دليل الرضا والقبول بالزواج .

سامر        :لي الشرف أن تكون عائلتي في ضيافتكم في قادم الأيام القليلة لإتمام مراسيم الخطبة ببركة الله .

والد سارة     : الخير في  ما يختاره الرب له المجد في السماوات والأرض وهو الشاهد على ذلك والبركة منه .

              بعدها طلب سامر وصديقه داوود الأذن في الانصراف وهو يحمل في قلبه الفرحة العارمة في تحقيق حلمه الذي كان خائفا منه لكن تبددت مخاوفه بعدما سمع ما سره من كلام أطمئن له قلبه وأسعده لسماع ومعرفة العقلية المتفتحة إزاء الفوارق الاجتماعية والدينية التي تعصف بالنفس البشرية والإنسانية والمعتقدات الخاطئة التي تمارس في المجتمع الحالي . وفي غضون أسابيع قلائل أتم سامر فرحته في الانضمام إلى قلب حبيبته سارة ليبدأ مشواره في تكوين أسرة جديدة بنيانها المحبة والسعادة .