9 أبريل، 2024 10:17 م
Search
Close this search box.

ثلاثة ايام صعقت العالم! – الحلقة السادسة

Facebook
Twitter
LinkedIn

يوصف الكسندر ياكوفلييف
( ت 2010) بانه مهندس
” بيريسترويكا” غورباتشوف و الكاردينال الرمادي، الذي وقف على مدى سنوات، وراء السياسات الرامية الى تغيير النظام الشيوعي في الإتحاد السوفيتي.
ويتهمه خصومه بانه عميل للاستخبارات الأميركية، استنادا الى قائمة كروجكوف الشهيرة” عملاء النفوذ” التي تسربت بعض الاسماء الواردة فيها، بانتقائية ، فيما جرى التعتيم على أسماء أخرى.
وبعد الجلسة التاريخية لمجلس السوفيت الأعلى؛ تكثفت؛ الحملات المناهضة للنظام السوفيتي،عبر وسائل أعلام ، اجاز صدورها تكتل غورباتشوف- ياكوفلييف.

في كلمته المدوية أمام المجلس أوضح كروجكوف دور من وصفهم
” عملاء النفوذ” بانهم يسعون الى تخريب مؤسسات الدولة من الداخل، عبر التاثير في إتخاذ القرارات الخاطئة، وإيصال مسؤولين الى مراكز قيادية، يحملون أهدافا منسقة محددة.
وشدد كروجكوف على ان هؤلاء ليسوا جواسيس بالمفهوم التقليدي، لكنهم يمارسون دورا أخطر بكثير مما يقوم به الجواسيس الذين يمكن ملاحقتهم والقاء القبض عليهم، حين يقعون في شباك مكافحة التجسس.
اما عميل النفوذ، فانه يتحرك بشكل طبيعي، ولا يمكن الامساك به، بتهمة التجسس، لان نشاطه إيديولوجي بالاساس.
يقول ياكوفلييف في مذكراته، إن كروجكوف اتهمه صراحة بالعمل مع وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية( سي اي ايه). وانه طلب من المدعي العام السوفيتي حينها، فتح التحقيق في اتهامات رئيس جهاز أمن الدولة لعضو في المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي.
وحسب ياكوفلييف، فان تحقيقات الادعاء العام، وقد استغرقت ستة اشهر ، لم تعثر على اية ادلة تعزز الاتهامات الباطلة.

ولد ياكوفلييف عام 1923 في قرية كوروليفو ، مقاطعة ياروسلافل، لعائلة فلاحية فقيرة.
ورغم معارضة والدته، دخل الفتى الكسندر المدرسة ، وتخرج فيها وواصل دراسته الجامعية بتشجيع من والده،الذي كان تعلم القراءة والكتابة في المدارس الكنسية قبل ثورة أكتوبر البلشفية.

ويروي ياكوفلييف في مذكراته ان والدته، الأمية، كانت تعنفه قائلة اذا واصلت التعلم، فانك أما ان تتحول الى بليد وغبي او تفقد عقلك.
في العام 1944 إنضم إلى الحزب الشيوعي . وعرف عنه حماسه في العمل الدعائي، وشغل مناصب مختلفة في منظمة الحزب بمقاطعة ياروسلافل، وقام بتدريس مادة التحريض وأشرف على اصدار الصحف الحزبية، والكتب الدعائية.

وفي العام 1953 ، إنتقل ياكوفليف إلى موسكو مدرسا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي
السوفيتي. وفي مدرسة إعداد الكوادر للاحزاب الشيوعية العالمية.
وبفضل نشاطه تم تنسيبه إلى أكاديمية العلوم الاجتماعية واصبح النائب الأول لرئيس قسم الدعاية باللجنة المركزية للحزب الشيوعي. ليعمل تحت قيادة “الكاردينال الرمادي” للمكتب السياسي ، وسكرتير اللجنة المركزية للأيديولوجيا ميخائيل . سوسلوف.

يتحدث ياكوفلييف في مذكراته عن سوسلوف بإعجاب خفي. ويشدد على أنه لا أحد في اللجنة المركزية كان يخشى الأمين العام بريجنيف. لكن الجميع كانوا يخافون من سوسلوف.
شارك في تنظيم البرنامج الثاني لراديو عموم الاتحاد – إذاعة “ماياك” الذي بدأ البث عام 1964.وتميز ببرامجه الاخبارية والاجتماعية المتنوعه.

من 1958 إلى 1959 تدرب في جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة الأمريكية،في اطار برنامج تبادل البعثات بين المعاهد السوفيتية ونظيرتها الاميركية .
وخلال فترة التدريب ، كان ياكوفليف في نفس المجموعة مع ضابط المخابرات السوفيتية المنشق أوليغ كالوجين .
كان المستشار العلمي لياكوفليف في الولايات المتحدة هو ديفيد ترومانروين – مؤلف مفهوم التعددية السياسية ، وأحد أبرز علماء السياسة المناهضين للشيوعية.
والى هذه المحطة في حياة ياكوفلييف، تستند الاتهامات بالعمالة للاميركان.
منذ العام 1966 إلى عام 1973 ، كان ياكوفليف عضوًا في هيئة تحرير مجلة Kommunist.

في العام 1967 دافع عن أطروحته لدكتوراه الدولة الموسومة “العلوم السياسية للولايات المتحدة والمذاهب الرئيسية للسياسة الخارجية للإمبريالية الأمريكية (تحليل نقدي للأدب السياسي بعد الحرب حول مشاكل الحرب والسلام والعلاقات الدولية 1945-1966). ”

عام 1968 سافر إلى براغ ، كممثل للجنة المركزية ، لدراسة الوضع أثناء دخول قوات دول حلف وارسو إلى تشيكوسلوفاكيا خلال الانتفاضة ضد النظام الشيوعي. و بعد عودته إلى موسكو، نصح ليونيد بريجنيف، بعدم إطاحة زعيم المعارضة التشيكية دوبشيك، الذي دعا الى ” الاشتراكية بوجه إنساني ”

في أواخر الستينيات – أوائل السبعينيات ، دعا إلى تطوير علم الاجتماع في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية. اذ كان يعتبر من العلوم البرجوازية، ويمنع تدريسه، ولا توجد معاهد أو أقسام دراسية في الجامعات ، لعلم الاجتماع.

نشر ياكوفليف مقالته الشهيرة “ضد مناهضة التاريخ” في صحيفة Literaturnaya Gazeta ،منتقدا ما وصفه بالشوفينية السوفيتية والتعصب القومي و” العداء للسامية”.
ولاقت المقالة ردود فعل مثيرة للجدل ، سواء من أنصار الليبرالية او ما يعرف بذوي الميول الغربية، أو من أنصار المدرسة السلافية المتمسكين بالقيم التقليدية للثقافة الروسية الارثوذكسية، حتى وان كانوا غير متدينين.
اشتكى الروائي ميخائيل شولوخوف مؤلف العمل الروائي الشهير ( الدون الهادئ) من الاراء المعادية للثقافة الروسية وتمت مناقشة المقال في الأمانة العامة والمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي .
في عام 1973 ، أقصي ياكوفليف من العمل في جهاز الحزب وعين سفيرا في كندا ،وامضى هناك عشر سنوات
أثناء إقامته في كندا ، أصبح صديقًا لرئيس وزراء البلاد بيير ترودو الذي دعا ولديه ميشيل وألكسندر باسماء روسية؛ ميشا وساشا إعجابا بالثقافة الروسية، كما يقول كتاب سيرة ياكوفلييف.

وخلال فترة عمله سفيرا؛ نهاية السبعينيات ، طردت السلطات الكندية 17 موظفًا في السفارة السوفيتية من كندا “لأنشطة لا تتوافق مع الدبلوماسية” التعبير الذي يعني انهم كانوا جواسيس ، وبعد ذلك اقترح رئيس (الكي جي بي) حينها يوري أندروبوف ، على المكتب السياسي اقالة ياكوفليف من منصبه لأنه فشل في التعامل مع واجباته.
لكن سوسلوف القوي وقف مع موظفه السابق ، قائلاً لأندروبوف: “لم يكن الكي جي بي هو الذي عين الرفيق ياكوفليف سفيراً”. الامر الذي أجبر أندروبوف على التراجع عن القرار، واحتفظ ياكوفلييف بمنصبه.
في العام 1983 ، زار عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي ، سكرتير اللجنة المركزية للحزب، ميخائيل غورباتشوف كندا وتعرف على السفير ياكوفلييف .
بعد وفاة سوسلوف ، أتخذ يوري أندروبوف مكانه ومن ثم مكان السكرتير العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي ، فاستدعى ياكوفليف إلى موسكو وتم تعيينه مديرا لمعهد الاقتصاد العالمي و العلاقات الدولية .
أثناء ادارة ياكوفليف (1983-1985) ، أرسل المعهد مذكرة إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي أقترح فيها إنشاء مؤسسات في الاتحاد السوفياتي بمشاركة رأس المال الأجنبي ، وإلى لجنة تخطيط الدولة في الاتحاد السوفياتي – مذكرة بشأن الأزمة الاقتصادية الوشيكة واسباب تخلف اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية عن الدول الغربية المتقدمة.
يشير كاتب السير ستانيسلاف مينشيكوف إلى أنه عندما وصل أندروبوف إلى السلطة ، “تقرر إعداد نسخة جديدة من برنامج الاصلاح الاقتصادي والسياسي الشامل وان ياكوفليف ترأس مجموعة إعداد برنامج حزبي جديد”.
عام 1985 ، أصبح ياكوفليف رئيسًا لقسم الدعاية باللجنة المركزية للحزب الشيوعي.
وفي العام 1986 ، تم انتخابه عضوًا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي وأصبح سكرتيرًا للجنة المركزية و أشرف على قضايا الأيديولوجيا والمعلومات والثقافة. ودعا إلى التطوير الشامل للعلاقات مع الدول الغربية ، وكذلك مع دول منطقة آسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط، و على وجه الخصوص ، مع إسرائيل.

بالإضافة إلى مهامه الرئيسية ، قام ياكوفليف بدور نشط في تطوير وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والسياسية في الاتحاد السوفيتي ، ورافق غورباتشوف في عدد من رحلات العمل الخارجية.

ساهم في نشر أعمال نابوكوف ، سولجينتسين ، ريباكوف ، بريستافكين ، دودينتسيف في الاتحاد السوفياتي ، وإصدار حوالي 30 فيلمًا محظورًا سابقًا.
وبادر الى تحصيل قرار من المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي في مايو 1988 بنشر الأعمال المحظورة سابقًا للفلاسفة الروس من دار النشر برافدا.
يعترف الكسندر ياكوفلييف، في مذكراته وفي المقابلات معه، انه كان يعمل بالفعل، على تغيير النظام من الداخل، وانه خلال سنوات عمله في الجهاز الحزبي( خمسة عقود) لم يكن مقتنعا بالنظرية الشيوعية، ويعتبرها وحشية، وفاقدة للبعد الانساني.
ويعترف انه كان يمارس ” التقية” داخل الحزب، وان قرار إقالته من الجهاز الدعائي للحزب، اثر مقالته المثيرة للجدل، عطل خططه ومشاريعه، فقد أمضى عشر سنوات سفيرا في كندا، بعيدا عن مركز صنع القرار في الكرملين، وان عودته الى موسكو، كانت انعطافا جديدا في طموحاته السياسية.
الملفت ان يوري اندروبوف، أكثر قادة جهاز أمن الدولة السوفيتية صرامة وملاحقة للمخالفين فكريا وعقائديا ،و اصبح لعام ونصف امينا عاما للحزب ورئيسا للدولة، حاول ابعاد ياكوفلييف بسبب مواقفه الليبرالية، دون ان تصدر حينها إشارات على إرتباط ما بالمخابرات الأميركية .
والملفت اكثر ان اندروبوف كلفه بقيادة فريق يقترح مشاريع للاصلاحات الحزبية والاقتصادية والسياسية. الأمر الذي يدفع ببعض المؤرخين إلى الاعتقاد بان جذور بيريسترويكا غورباتشوف-ياكوفلييف تمتد الى دهاليز مبنى امن الدولة ( كي جي بي) ولم تكن بدعة جاء بها غورباتشوف من فراغ!
يتبع …

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب