23 ديسمبر، 2024 6:42 ص

ثلاثة أيام صعقت العالم! – الحلقة الثانية

ثلاثة أيام صعقت العالم! – الحلقة الثانية

وصلت بيريسترويكا ميخائيل غورباتشوف الى طريق مسدود.
لم تفلح الاصلاحات الترقيعية، في رفع الانتاج الصناعي، والزراعي، ودخلت مناطق باكملها في دوامة نقص حاد، لم يشمل المنتجات ذات الاستخدام الشعبي المنزلي الواسع، بل اختفت من المحلات، المواد الغذائية الرئيسية، وتضاعفت الطوابير لتمتد كيلومترات، خلافا لوعود غورباتشوف؛ بتحقيق الاكتفاء الذاتي، ورفع المعاشات ومستوى الدخل، ووفرة الغذاء والسلع.

ولعب إنخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، دورا رئيسا في إصابة الاقتصاد بالشلل، تفاقمت حالته، على يد مؤسسات الدولة المترهلة التي اجتاحها وباء الفساد، والروتين، والإدارات السيئة، وغياب الرقابة، وضعف القيادة حقبة ليونيد بريجنييف وعجائز الحزب الشيوعي السوفيتي، وكان غورباتشوف أصغرهم سنا في العقد الخامس حين تسلم قيادة الحزب والدولة، وعقدت عليه الآمال في الإصلاح .
وفيما كان المواطنون، ينهضون بواكير الفجر، للوقوف في طوابير لاقتناء زوج مستورد من الأحذية او بنطلون جينز، كانت غالينا بريجنيف، إبنة الأمين العام للحزب الشيوعي السوفيتي، ليونيد إيليتش بريجنيف، تصحو من سكرة الليلة الماضية، مرعوبة، منفوشة الشعر، عكرة المزاج؛ تهرع نحو حديقة بيتها الريفي الفخم، كي تتاكد من أن المجوهرات المدفونة تحت إحدى شجرات السرو لم تمس!

كانت قصص خياناتها الزوجية، مع ضباط وزارة الداخلية، حيث يعمل زوجها وزيرا، على لسان المواطنيين همسا، وبصوت مسموع ،تنتشر على انها٦ فولكلور شعبي في السنوات الأخيرة لحقبة كهول المكتب السياسي.
و على نطاق واسع، ذاع صيت، مؤلفات المؤرخ الروسي المعروف روي ميدفيديف، الذي أطلق عليه الصديق المترجم القدير المقيم ثمانينات القرن الماضي في موسكو ، حسين محمد سعيد، تندرا لقب ” أبو قلام” لانه أشتهر بصورته مع دست من أقلام باركر تطرز الجيب الايسر أعلى سترته!
ولأقلام المؤرخ روي ميدفيديف؛ قصة:
فقد كان يصنف وشقيقه التوأم جورس ميدفيديف على إنه منشق عن النظام، لكنه لم يتعرض الى الملاحقة خلافا لشقيقه، الذي اعتقل عدة مرات وكان عالم أحياء،وكاتب، الف كتابا بعنوان ” علم الأحياء وعبادة الفرد” سلط من خلاله الضوء على تدخل ستالين في توجيه العلماء لأغراض ايديولوجية لا تخدم تطور العلوم ، فعوقب واعتقل، و هاجر الى الغرب، وساعد شقيقه في نشر كتب ومقالات تفضح بذخ اسرة ،وحاشية الأمين العام للحزب الشيوعي السوفيتي، وحظيت باقبال واسع من القراء المتعطشين لمعرفة ما يجري داخل الاتحاد السوفيتي.
ولم يجد جورس ميدفيديف؛ غير القرطاسية، وأقلام الباركر الفاخرة، طريقة لدفع المكافآت الى شقيقة، بحكم ان المال المرسل من الخارج يضعه تحت طائلة القانون.
وهكذا تحولت باركر الى علامة فارقة للمؤرخ المُعمر، مواليد 1925 ( أبو قلام).

ومع ان اغلب مؤلفات التوأمين ميدفيديف ، محظورة، الا انها كانت تباع في مخازن العملات الصعبة بموسكو .ومن ثم تنتشر بين القرّاء.

ومع وصول غورباتشوف الى قيادة الحزب والدولة، تكشف المستور، وصدرت آلاف الكتب والمقالات وحتى الأفلام الوثائقية، تتحدث عن فساد بريحنيف، وولعه بالسيارات الفارهة وامتلاكه لمجموعة من سيارات فيراري وكاديلاك وبورش التي ما كان المواطن السوفيتي يراها الا في الافلام الاميركية ، واقتناء زوجته وابنته الفراء الثمين، وإحياء حفلات باذخة تستخدم في لياليها أطقم من الكؤوس والصحون الذهبية لأسرة ال رومانوف؛ آخر القياصرة الروس، يتم إخراجها من المتاحف، وقسم منها كان يتحطم اثناء حفلات المجون.

انتشرت الفضائح، كالزيت في الماء، وصدرت صحف التابلويد بمئات آلاف النسخ، تصل أحيانًا الى مليون وأكثر، لا تترك زاوية معتمة في الماضي السوفيتي الا واقتحمتها؛ حقا ام باطلا.

في هذه الاثناء، تلاشت الى حد العدم، الثقة بعدالة النظام الاشتراكي؛ وصار الجمهور يقارن بين ( الغرب المتعفن) وفقا للادبيات الحزبية السوفيتية، والنظام ( الزاهر) في بلادهم.
ولم تشفع مجانية التعليم والخدمات الصحية، والسكن بايجارات وخدمات لا تزيد عن خمسة بالمئة من الراتب الشهري، والنقل بأجور رمزية، وغيرها من مقومات النظام الاشتراكي؛ في تعزيز قناعة الجماهير بأفضلية النظام في الاتحاد السوفيتي على الراسمالية المتوحشة .
وانطلقت مئات النكات تسخر من النظام ورموزه، وصار الغرب الجنة المفقودة بالنسبة للملايين الضجرة من طوابير السلع والغذاء.
وأخذت قبضة موسكو؛ تضعف على الجمهوريات السوفيتية، التي بدات تعلن رغبتها في الانفكاك عن الإتحاد السوفيتي، وانفصلت جمهوريات البلطيق الثلاث؛ لاتفيا ولتوانيا واستونيا، وباشرت أرمينيا وجورجيا إجراءات فك الارتباط بموسكو وأخذت جمهوريات آسيا الوسطى تتململ في انتظار ساعة الحسم، وازدادت ديون الإتحاد السوفيتي الداخلية والخارجية، وفقد الروبل ما تبقى له من قوة شرائية.
وصارت المضاربات بالعملة عنوانا لدولة تحتضر.