كما الحال في لعبة الكرة الطائرة، معلقة دوما بين رافع وكابس، هو حال تعامل مجلس نوابنا مع جلساته في العراق الجديد، وليتني أعرف ماالذي دعا البعض إلى إطلاق تسمية الجديد على عراق مابعد عام 2003؟ إذ ماالجديد فيه غير النكوص والتقهقر والتدني، والفوز بدرجات متقدمة عالميا في قائمة البلدان الأكثر فسادا، والأقل أمنا؟.
فكالعادة، يرفع برلماننا جلساته دون احتساب تبعات التأخير في إقرار القوانين، والسبب -كالمعتاد- هو السبب ذاته في كثير من المرات، عدم اكتمال النصاب القانوني. وهي ليست المرة الأولى التي يخفق فيها مجلس النواب في عقد جلسته لكثرة غيابات نوابه او مقاطعتهم جلساته، التي غالبا ماتحول دون تحقيق النصاب القانوني، وقطعا هي نتيجة طبيعية لاستمرار الخلاف بين الكتل حول عدة قوانين، اولها -وليس آخرها- قانون الموازنة. وعلى رأس قائمة المختلفين هم نواب التحالف الكردستاني، وخلافهم دوما على حصة اقليم كردستان العراق من الموازنة الاتحادية، وحصتهم من نسب النفط المصدر، أي هي خلافات لاتتعدى المصلحة المادية للإقليم، وهو موضوع ليس بشائك وليس حله عصيا على الجميع، هو في حقيقة الأمر موضوع استغلال فرص وغياب رقيب وانتهاز ظرف، اما لو أردنا التعبير عنه بمفردات أخرى، فالأمر يتخذ حينذاك وجها آخر قد يثير الـ (زعل) عند الأخوة الأكراد. فقد سبق للأمر أن حسم في وقت مضى، والحكومة المركزية مستمرة بصرف الـ (مقسوم) من حصة النفط العراقي، الى: (كاكه حمه وكاكه شيرزاد وكاكه نوزاد وكاكه مسعود والخ…). والأمر لايحتاج خبيرا اقتصاديا، ففي عام 2014 حذر رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي، بانهيار الاقتصاد العراقي لتأخر اقرار الموازنة المالية لعام 2014 وأشار الى ضرورة انهاء أزمة الحصة من النفط في اقليم كردستان بحل عقدة الخلاف النفطي بين بغداد وأربيل.
اما الجهات الأخرى التي سبق لها ان بتت في موضوع مقاطعتها جلسات البرلمان منذ سنوات، فمعلوم ماالغرض من ذلك، منها مثلا كتلة النجيفي، الذي يرفع شعار (خالف تعرف) وغيره من ممثلي محافظات نينوى والأنبار وديالى وصلاح الدين، فهم جميعا يبتغون ضرب عصفورين او ثلاثة او فلنقل عشرة عصافير، بمقاطعتهم الجلسات.
ولا أظن أحدا منا قد نسي مطالب كتلة متحدون قبل سنتين، فأولا كان الطلب الجوهري وقف العمليات العسكرية على داعش، الذين اتخذوا من الأنبار مرتعا رئيسا لهم. وقطعا متحدون هم اول الناس دراية بان داعش كانت تطمح -بعد الاستيلاء على الأنبار- بمحافظة صلاح الدين ثم الموصل ثم ديالى، وبعدها باقي المحافظات، وقطعا هذا لن يتم إلا بوجود سند لهم وداعم لهم داخل الأراضي العراقية، وعلى مايبدو ان ائتلاف متحدون قد تكفل بهذا الدور آنذاك، وبمقاطعة أعضائه البرلمان تكون العملية السياسية متلكئة، الأمر الذي يوفر ساحة أوسع لمن يريد اللعب على أوتار عديدة، تؤثر في إقرار الكثير من المشاريع، أولها كما قلت الموازنة. وهم بهذا حققوا حينها الهدف الثاني من المقاطعة، وهو عدم صرف موازنة وزارتي الدفاع والداخلية، الأمر الذي -بحسبانهم- سيبقي على القوات المسلحة العراقية على مالديها من سلاح هم يظنونه غير فعال أمام أسلحة “أخوانهم” في داعش، وبذا يكون هدفهم سهل الوصول وأملهم قيد التحقيق.
لعلي بتقليب أوراق ماضية أسلط بصيصا من الضوء على حقائق غابت عن أحد ما، أو أنه يغض الطرف عنها عامدا، ولا أظن استذكار شيء من الماضي يفسد للود قضية، بل على العكس فهو يضع نقاط اليقين فوق حروف الشك، ويعيد ترتيب الأصدقاء والأعداء، ويصطفي الصالح من الأقران والأصلح منهم والأكثر صلاحا، وقد قيل:
واختر قرينك واصطفيه تفاخرا
إن القرين الى المقارن ينسب