مثلما الرياضة والأدب والفن وباقي العلوم والفنون الأخرى تمثل مقياسا لرقي وتمدن الأمم والشعوب فأن معرفة وكيفية الوقوف بالطابور(كيو) باللغة الأنكليزية و (السرة) بلغتنا الدارجة بأنتظام ودون محاولة أخذ حق الغير والتسابق بأكثر من طريقة وأختلاق شتى الأعذار الكاذبة والواهية من أجل ذلك كما يفعل البعض (مستعجل، عندي دوام، عندي مريض وغيرها من أسباب!) فالوقوف (بالسرة) بأنتظام يعد هو أيضا مقياسا لرقي وتمدن الشعوب والأمم. ولا أدري سبب الأصرار الدائم للكثيرين بمن فيهم المسؤولون والسياسييون بالقول بأننا شعب الحضارات بمناسبة ودون مناسبة!؟ وبأننا الشعب الذي قدم الحرف للعالم منذ أكثر من 6000 سنة، في حين أن واقع حياتنا اليومية بكل علاقتنا الأجتماعية وبكل مفرداتها وتفصيلاتها يشير عكس ذلك تماما؟! بل حتى بعدم وجود أية صلة بيننا وبين تلك الحضارات التي لا زلنا نتباهى ونباهي بها الأمم !. بالوقت الذي نرى أن الكثير من البلدان التي لا تمتلك ذلك الأرث الحضاري والتاريخي الذي نملكه أستطاعت أن تحيل صحاريها الى واحات خضراء وعمارات شاهقة وناطحات سحاب عملاقة وخلال عقود ثلاثة لا أكثر! وأستطاعت أن ترتقي بشعوبها من حالة وواقع البداوة الى مجتمعات تتعامل بالحاسوب في كل تفاصيل حياتها اليومية( دول الخليج مثال ذلك ودولة الأمارات تحديدا!) وكما قيل ( ليس الفتى من قال كان أبي بل الفتى من قال ها أنذا). ومع الأحترام لمن يخالفنا الرأي فأن مجتمعنا حقيقة لا زال يعيش حالة من البداوة والتخلف والفوضى والجهل والأمية وسيطرة الأعراف العشائرية التي أصبحت بديلا عن قوانين الدولة!!! ونرى مظاهر التخلف في أبسط مفردات حياتنا اليومية بدأ بالتزاحم والتدافع في الكراجات مرورا بالتدافع الأكثر الذي يصل في كثير من الأحيان الى التشابك بالأيدي عند الوقوف بطابور أستلام حصة ( النفط والغاز والبنزين)! وخاصة عند أشتداد الأزمات في فصل الشتاء وما اكثر أزماتنا خاصة السياسية منها والأخلاقية والثقافية! وأنتهاء بطابور أستلام رواتب شبكة الرعاية الأجتماعية للأرامل والأيتام والمطلقات في أكثر صور البؤس وأنعدام الأنسانية وبأية مواقف اخرى تستدعي الوقوف بالطابور. ويبدو أن سياسة الحكومات السابقة واللاحقة لم تكن حريصة على كيفية بناء الأنسان وتعليمه وتثقيفه بالشكل الذي يجعل منه أنسانا متحضرا بل عملت تلك الحكومات ولحد الان على تكريس ونشر ثقافة التخلف والجهل والأمية وثقافة العنف بأكثر من مناسبة وطريقة
وأسلوب!! حتى وصلنا الى ما نحن عليه الآن من حال لا نحسد عليه في كل تفاصيل حياتنا اليومية. ونشرت صحيفة الأهرام القاهرية في أعقاب هزيمة حرب حزيران 1967 شيئا بهذا الخصوص مفاده: ( أن القائد العسكري موشي دايان وزير الدفاع الأسرائيلي آنذاك وفي أحد المؤتمرات الصحفية وعندما كان يتكلم مزهوا بالنصر الذي حققته أسرائيل على العرب وهو يرد على أسئلة الصحفيين وأذا بأحد الصحفيين يفاجأه بسؤال فيه شيء من الجرأة؟! قائلا له: سيادة الجنرال صحيح أنكم أنتصرتم في هذه الحرب ولكنكم فاجئتم العرب على حين غره؟ ولولا عنصر المفاجأة لما تحقق لكم ذلك وأن العرب ما زالوا قادرين بأتحادهم أن يرموا أسرائيل بالبحر؟، عندها ضحك موشي دايان بملأ الفم قائلا للصحفي: أن النصر العسكري الذي حققناه ليس بالمفاجأة فقط!، فما دامت التقارير والصور التي تردنا ونراها من خلال الصحف وعلى شاشات التلفزيون عن العرب وكيف لا يعرفون الوقوف بأنتظام (بالطابور) وبشكل حضاري فأني لن اخاف منهم أبدا!!) الى هنا أنتهى كلام موشي دايان. والذي يبدو ومن خلال أجابته للصحفي كيف تراقب أسرائيل الشعوب العربية وكيف تقيمها حتى من خلال (كيفية الوقوف بالطابور!!) الذي لا يعني شيئا عند الكثيرمنا!؟ بل صار الأنسان المتحضر والملتزم نشازا وموضع سخرية في مجتمعنا!. أقول: ان ما قاله (موشي دايان) هذا كان قبل (50) عام بالتمام والكمال!، والسؤال هو: ماحجم التحضر والتقدم والرفاه الذي شهدته أمتنا العربية بعد هذا الزمن؟ الجواب ومع الأسف، لا شيء سوى المزيد من التمزق والتخلف والفقر وأزدياد الأمية والجهل حتى صرنا نقاتل بعضنا بعضا في حروب طاحنة!!. فالعراق وتحديدا بالسنوات (14) الأخيرة من بعد سقوط النظام السابق وأحتلال الأمريكان له، شهد المزيد من التراجع والتخلف وأزدياد الأمية والجهل والتخلف وطغيان المفاهيم والسمات والعادات والتقاليد العشائرية والكثيرمن الطقوس الدينية المتخلفة، التي أصبحت مثار نقد ورفض واضح من قبل الكثير من رجالات الدين العقلاء المتنورين غير المتئسلمين والذين لا يرون فيها بأنها تمثل أساءة كبيرة لأئمتنا الأطهار عليهم جميعا أفضل السلام فحسب بل غايتها تجهيل المجتمع أكثر ونشر التخلف فيهم!. وفي صورة أخرى من صور التمدن والثقافة والتحضر والذي يمثل (الوقوف بالطابور) أحد مظاهرها، أنه وعندما ضرب اليابان أعصار كبير(تسونامي) قبل 3 سنوات حطم الكثير من المدن وراح ضحيته اللألاف، لم ترتبك الحكومة ولم تسود الفوضى بين الشعب، بل ان اليابانيين أعطوا درسا جديدا لكل شعوب العالم! بألتزامهم العالي وتضامنهم وتكاتفهم وبقدرما كانت وسائل الأعلام العالمية تنقل صورا عن المأسي الذي خلفها الأعصار بالمقابل كانت تنقل صورا غاية بالرقي والتحضر والألتزام العالي بالأخلاق، حيث لم تسجل أية حالة
سرقة من أي محل أوبيت أو دائرة أو أية حالة أغتصاب أو رشوة أو أحتكار أو أستغلال مثلما يحدث في كل الدول التي تتعرض للكوارث وخاصة الدول العربية! حيث قلل اليابانيين من مشترياتهم الغذائية دون أن يوجههم أحد!، حتى لا تكون هناك أية أزمة وليفسح المجال لغيره بالشراء! فالفرد الياباني الذي كان يشتري في اليوم (5) أرغفة من الخبز أكتفى ب(3)! والفرد الذي كان يشتري (5) بيضات يوميا أكتفى ب(2)، كما نقلت وسائل الأعلام صورا لليابانيين وهم يقفون (بالطابور) بكل أنتظام وأدب وصمت وأناقة!! وهم يحملون (جليكان بلاستيك صغير لأخذ خمس لترات من البنزين فقط حسب توجيه الحكومة)، ونجحت اليابان بعد ذلك وفي ظرف سنة فقط بأعادة بناء كل ما دمره الأعصار وبأحسن من ذي قبل حتى بات العالم يطلق على اليابان كلمة (كوكب اليابان)!!. ومثلما كانت الطبيعة عدوة لليابانيين في الأعصار الذي ضربهم، كان للعراقيين عدو ولكن من نوع آخر هو (مجرمي داعش)، وقد يرى البعض أنها مقارنة بعيدة! ولكن الذي نريد أن نوصله ونعلق عليه هو صور الماسي التي تنقلها لنا وسائل الأعلام عن النازحيين وخاصة لقطات توزيع المواد الغذائية عليهم ومشاهد العراك والتشابك والتدافع من أجل الحصول على(بطل مي او قوطية جبن أو صمونة) حيث كانت توزع عليهم بصورة لا تمت للأنسانية بصلة (يشمرون عليهم المواد شمر)!!. أقول ولو أجد شيء من التشابه البسيط بين المشهدين هو أن الموت والخوف كان القاسم المشترك بين المشهدين( أعصار اليابان ومجرمي داعش) ولكن شتان بين ما كان عليه اليابانيين حكومة وشعبا في كيفية تعاملهم مع ما أصابهم وبيننا نحن كحكومة وشعب وما أصابنا ويصيبنا من موت ودمار منذ (14) عام ولحد الآن!!. أخيرا نقول: أن الشعوب المتحضرة والمثقفة والواعية تكون عصية على الأعداء أيا كان صورة وشكل ذلك العدو المميت! عكس الشعوب المتخلفة والجاهلة والتي مهما بالغت بضجيجها وأنفعالاتها فهي لا تخرج عن كونها ظاهرة صوتية غير مخيفة وما أكثر ظواهرنا الصوتية نحن العرب حكومات وشعوب وتحديدا العراقيين!!.