23 ديسمبر، 2024 5:45 ص

ثقافة المقاطعة وثقافة التذمر

ثقافة المقاطعة وثقافة التذمر

حديث نبوي شريف يرشدنا إلى أمر إصلاح ما قد يفسد. حيث يقول الرسول الكريم (صل الله عليه وسلم): من رأى منكم منكراً فليغيره بيده وإن لم يستطع فبلسانه وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.
الحديث يكفي فيما إذا طبق من قبل المسلمين في إحداث التغير المطلوب في أي مجال كان. على سبيل المثال حين تعمد التجار إلى رفع أسعار المواد. فنحن الشعب المغلوب على أمره ليس بإمكاننا مقارعة التجار الذي يرتبطون أساساً بقوى جبارة تمكنهم من التغلب على إرادة الشعب وتجعلهم أصحاب القرار. ذوات النفوذ الذي يهيمنون على العرش ويتحكمون بزمام الأمور، لهم القول الفصل في الأسعار ونوع المنتجات وتحديد الجهة التي يستوردون منها. وما على الشعب إلاّ الإنصياع لأهوائهم وتغذية جيوبهم.
حتما فإننا لسنا بقدر إستخدام اليد في تغير الحال فليس لنا قوة في ذلك. وأصبح واضحاً بأن الكلمة أيضاً لا تجدي نفعاً لنغير الأمور بلساننا. إذن بقي هنا الشق الأخير من الحديث الشريف الا وهو إحداث التغير بقلوبنا واللجوء إلى أضعف الإيمان.
وأضعف الإيمان في هذه الحالة هو المقاطعة. فإذا قاطع الشعب سلعة ما سيؤدي ذلك إلى فسادها وبالتالي ستؤدي إلى خسارة كبيرة لمن يتاجر بها ويتلاعب بقوت الشعب.
ثقافة المقاطعة مهمة جداً لو نعلم ذلك. فمن شأنها أن تحدث التغيرات المطلوبة والنتيجة تكون لصالح الشعب في كل الأحوال. المقاطعة تجعل التاجر والسياسي يفكر الف مرة ومرة في مصلحة الشعب. وتجعلهم يضعون الإرادة الشعبية في اولوياتهم. والعكس صحيح بطبيعة الحال.
وقد اطلعت أنا على أبرز حملات المقاطعة التي قام بها المواطنون في بلدان مختلفة من أجل مواجهة جشع التجار وإجبارهم على خفض الأسعار. وقد لقت هذه الحملات صدى كبيراً وأجبر التجار على الاستجابة وتخفيض الأسعار.
ومن هذه التجارب الكثيرة أنقل لكم تجربة الشعب الارجنتيني.
أصبح الشعب الأرجنتيني حديث مواقع التواصل الاجتماعي في فكرة مقاطعة المنتجات والتصدي للتجار. وتعود القصة إلى قبل بضع سنوات عندما استيقظ الشعب الأرجنتيني في صباح أحد الأيام ووجدوا تجار الدواجن والبيض قد اتفقوا على رفع سعر البيض مرةً واحدةً. ولكن اتفق شعب بلاد الفضة على عدم شراء البيض وتركه في منافذ البيع والسوبر ماركت.
في اليوم التالي جاء عمال الشركات لإنزال الانتاج اليومي من البيض في محلات السوبر ماركت. عندها رفض بعض الباعة شراء أي حمولة جديدة لأن إنتاج الأمس قد تكدس ولم يتزحزح من مكانه فلم يشتر أحد ذلك اليوم بيضة واحدة.
توقعت الشركات إن المقاطعة ستنتهي في غضون أسبوع وبعدها سيعود الناس للشراء. ولكن الأمر لم يختلف ومازال الشعب الأرجنتيني مقاطعاً لشراء البيض حتى بعد مضي أسبوعين.
خسرت شركات الدواجن هذه الكثير مما اضطرهم إلى عقد اجتماع طارئ. أصحاب شركات الدواجن قرروا إعادة التسعيرة لسابق عهدها. لكن الشعب الأرجنتيني ما زال مقاطعاً. فكانت النتائج بعكس توقعات التجار وتواصلت المقاطعة فلا يزال الشعب الأرجنتيني مقاطعاً للبيض والشركات مهددة بالإفلاس.
حتى أجبر التجار على تقديم اعتذار رسمي للشعب الارجنتيني من خلال وسائل الإعلام. وكانت النتيجة تخفيض سعر البيض بنسبة 75% عن القيمة الأصلية أملاً في صرف المكدس من البيض قبل فساده.
هكذا تحكم الشعب الارجنتيني إلى إرادته وإتخذ قراراً موحداً كان من شأنه الفوز الشعب على جشع التجار.
الأمر ينطبق كذلك على إحداث التغيرات السياسية والإدارية وغيرها من الأمور التي لا تسير بحسب إرادة الشعب.
هذه هي ثقافة المقاطعة واللجوء إلى أضعف الإيمان. أمّا إذا كنا متمسكين بثقافة التذمر والإكتفاء بالتحدث فيما بيننا وإتباع مبدئ أنا ومن بعدي الطوفان، فإن ما يحدث لنا أمر طبيعي جداً ولا غرابة فيه قطعاً. ونوماً هانئاً للجميع.