أصابعنا على الزناد دوما، نطلق النار في الهواء عند أتفه الأسباب ، وقد أعتدنا على صوت العيارات النارية بحيث لم نعد نميّز بين أمر جلل ، أو عرس أو تشييع ، أو فوز لمنتخب كرة القدم يبعد عنا الاف الأميال ، أو خصومة زوجية أو عائلية ! ، وعندما تأتي الشرطة للتفتيش عن الأسلحة ، لا تجد ولا قطعة سلاح واحدة ! .
هل يعلم الرامي أين مستقر رصاصاته التي يطلقها في الهواء ؟ ، هل يعلم انها لابد من سقوطها على الأرض من ارتفاع يصل الى 3 كم ؟ وبذلك تكتسب زخما يجعلها تخترق الجمجمة البشرية بسهولة حتى لو كانت باردة .
مولعون بأجهزة مكبرات الصوت ، في عرس أو مأتم ،أو مناسبة دينية ، حيث نحرّك (الڤوليوم) الى أقصاه ، ونحول المادة الصوتية الى زعيق مقرف أتحدى مَنْ يفهم من كلماتها شيئا .
أبدا لا تكون موسيقانا أو موادنا الصوتية المبثوثة في الأزقة والشوارع والأسواق هادئة وبمستوى صوت مقبول ، وتسمع الأصوات المنبعثة من السيارات ، بشكل يجعلني اتسائل : كيف لا يصاب السائق بالصمم ؟!.
في أحد المرات ، أضطررت مجبرا على حضور حفلة عرس لأحد أقاربي في أحد القاعات ، كانت أمسية تعذيب حقيقية ، حيث الاصوات المرتفعة للغاية لالات غريبة وعجيبة تشبه الطرق على علب الصفيح الصدئة ، وصوت مطرب كأنه مريض خرج من المستشفى توا ، لم أفهم ولا كلمة من (قيئه) علينا الذي يسمونه أغاني ! .
حتى محاواراتنا ، قد تبدأ هادئة وتنتهي غالبا بما يشبه الخصومة والزعيق وجها لوجه مهما كان الموضوع تافها ، لا يقبل أحدنا التنازل عن فكرة معينة حتى لو علم بخطئها ، وحتى لو أفحمته بحجج الدنيا ، من هنا نعلم أننا نلهج بالمثل (الأعتراف بالخطأ فضيلة ) ،لكننا لا نعمل به على الأطلاق .
وحتى لو أعترف أحد الطرفين بخطأ فكرته أو فعله ، فان الطرف الأخر سيعتبر ذلك علامة ضعف وهزيمة ، ولا يحترم تراجع الطرف الأخر ، وسيتحول النصر الى تبجح ، نتداول كثيرا المثل القائل (العفو عند المقدرة ) ، لكننا لا نعمل به هو الأخر ، فالعفو عند المقدرة عندنا علامة جُبن ، وتُفسّر على انها نقطة ضعف قد تترتّب عليها الآثار مستقبلا ! ، الثارات تتآكلنا ، والعفو عند التمكن من الثأر ، عار ما بعده عار ، جميع حالات الفصل العشائري عندنا لا تنتهي بعفو ، حتى لو ظهر للجميع أن الشخص المعني في الفصل مظلوما .
فلننظر لأنفسنا أولا ، ولنتمتع بحس النقد السليم الذي نفتقده ، فكيف لا تكون أنظمتنا السياسية بهذه الحالة المزرية ونحن على هذا الحال ؟ ، ألم يقل الأمام علي (ع) منذ أربعة عشر قرنا : (كيفما تكونوا ، يولّ عليكم) .