23 ديسمبر، 2024 8:08 ص

ثقافة السلطة ….وسلطة الثقافة

ثقافة السلطة ….وسلطة الثقافة

بعد انحدار وضعنا السياسي ووصوله الى هذا المنزلق الخطير وتكالب أزماتنا وتناسلها ولا حاجة لي للتذكير بما آل اليه هذا التراجع والتدهور والتداعي بكل مجالات الحياة والذي يدعونا جميعا الى مراجعته بمسؤولية وموضوعية ودراسته بعقلانية وهدوء بعيدا عن مهاترات الساسة وتصريحاتهم النارية التي لا تسمن ولا تغني من جوع والتي تصب في استمرار مصالحهم الشخصية …والتي أوصلتنا الى هذا الدرك الاسفل

واعتقد ان الرجوع الى الأسباب الحقيقية التي أدت الى كل هذه المآسي هو البداية الحقيقية ومفتاح الحل الصحيح واعلم ان كل هذه الاشياء تحتاج الى دراسة شاملة وتفصيلية تأخذ بعين الاعتبار الاسس التي بنيت عليها والبيئة الاجتماعية التي أحتضنتها والظروف المناسبة التي ساعدتها وما الى ذلك من تفاعلات وتداخلات أجتماعية اخرى كانت حافزا لنموها وتطورها ووصولها الى ماوصلت اليه ….

والمهم وفي هذا الصدد لا أحد ينكر دور الثقافة والمثقف في هذه المسألة الجوهرية ووعيه وتأثيره فيها …ونحن مثلما نعلم في عراق مابعد (( 2003))…ماحصل للثقافة والمثقف بالذات من تراجع خطير والتهميش الذي اصاب الحركة الأدبية والفكرية والفنية والثقافية عموما ….وأدى بهم الى الخضوع أومسايرة الوضع السياسي الطائفي الراهن والذي فرضته تقسيمات الاحتلال سيئة الصيت وأخلاله بوحدة المجتمع والركون الى تداعياته الخطيرة وانجرار الكثرة من المثقفين الى خانات الدكاكين الطائفية السياسية ومعطياتها …وهي الصفة الطاغية على الحالة الجديدة في عراقنا الجديد ….ومحزن أن تجد مثقفا واديبا يؤمن بالأنسان وتطلعاته العظيمة ويرقى بالجمال الفني الخالد ويقدم عطاءه الفكري والفلسفي والحياتي فيصيبه الرعب وينهار فيحيل أفضل مالديه خرابا شاملا وينحاز الى اعداء الفن والحياة والانسان . …وخيانة المفكر وهذا تعبير ((جوليان باندا )) ليست مثل خيانة الانسان العادي واقصد غير المثقف الواعي ….وهذه هي طامتنا الكبرى عندما تحول الكثير من مثقفينا الى ابواق للأحزاب الطائفية .يتناوبون في تمزيق لحمة الوحدة الوطنية ويساعدون في تهميش الصوت الوطني الصادق واذابته بين صيحاتهم العالية .وصخبهم الضال …..

لكن الدولة التي تحترم مثقفها وتعطيه المنزلة الحقة التي تليق به ولا تجعله عرضة للابتزاز بكل انواعه المعروفة هي التي تجعله محصنا من كل هذه التأثيرات ويبقى منتجا ايجابيا ومبدعا ومؤثرا في وسطه ….عبر أحتضانها له ونشر انتاجه وترويجه والسماح له بالتعبير بكل حرية بما يريد طرحه وما الى ذلك ….

والأمثلة في الدول التي تقدم بها العلم والتكنولوجيا وكل اشكال الحياة والحضارة واضحة وكثيرة حتى الدول النامية الاخرى سبقتنا ايضا في هذا المجال الحيوي المهم نراها تقدر مثقفيها وتجلهم .وتلتزم قضاياهم ……

قد اتجاوز اوربا في تعاملها مع ادبائها وفنانيها ومبدعيها عموما واذكر أمريكا اللاتينية ونظرتها الرائعة للأدباء والكتاب وصيغة معارضها وتكريماتها المتكررة لرموزها الثقافية اذكر على سبيل المثال ((بوينس ايريس )) تلك المدينة التي تعتبر سوق الكتب العظيمة ….تلك التي كان يعتاد أرتيادها لوركا وبورخس وعمالقة آخرين من اجيال الابداع ….وفي معارضها السنوية تحتفل بأدبائها وتكرمهم خلال أحتفالات الناشرين …..أو مدينة ماركيز التي اصدرت طابعا رمزيا لهذا الكاتب والامثلة تطول اذا درنا حول أمريكا وأوربا …لكنني سأتوقف كثيرا عند أفريقيا لاننا سنجد ضالتنا الكبرى في دولة نامية ونجد هذا المثال الجميل في نيجيريا ولحظاتها المبهرة لتعطينا الدرس تلو الدرس في ان تجعل من ((سوينكا )) ضميرا لها وهو الأديب الحاصل على جائزة نوبل للآداب لتجعل منه حكما في الانتخابات التي جرت مؤخرا بين المعارضة والحكومة وهذا خير مثال على دور المثقف في التغيير العام للبلاد وهذه نيجيريا والامثلة كثيرة وكثيرة وفي كل الدول التي تعتبر الثقافة والفنون أعمدة لبنيانها …..

ولعنتنا وأقولها بألم وحسرة اننا نكرم مبدعينا بعد الموت ولا ادري ان كنت تجنيت على دولتنا الموقرة .وأنا متفائل بوزير الثقافة الحالي كونه من طبقة المثقفين ….ونحن يوم بعد آخر نودع علما من أعلامنا ونبكيه أو نرثيه ونؤبنه بجلسة استذكار ثم ننساه ودولتنا مع كل الاسف لا علاقة لها بالموضوع ….وقد يهاجر ليأخذ مكانته واحترامه في منفاه وابتعاده عن وطنه الام والامثلة كثيرة والعراقيون اليوم يتوزعون الخارطة من شرقها لغربها ومن جنوبها لشمالها ….

والدول وهذا حديث من القرن الماضي الذي غادرناه منذ خمسة عشر عاما …..في فرنسا مثلا يزفون الخالدين الى الأكاديمية كمواكب الملوك ويقلدونهم سيوفا مرصعة ويحشدون حولهم الجند والخيول المطهمة ,,,وفي انكلترا يقيمون

لأعلام الأدب والشعر قصورا فاخرة ويقيمون حول قص الملكة اليزابيث …وبعد وفاتهم يقيمون لهم قبورا ومزارات في كنيسة ((الوستمنسترابي)) لتكون محجا للادباء ومحبي الادب والفنون …..وفي روسيا يمهدون للادباء والفنانين والشعراء مدائن عامرة وحياة مترفة تهيء لهم جو الانتاج ويسمونهم العمال النادرين وهذه الامثلة كلها في قرننا الماضي …ولم اطلع بعد على تقدير المثقف في قرننا الحالي في هذه الدول وبعض دولنا العربية وعلى وجه الخصوص مصر العروبة وهي لا حدود لها مقارنة بمثقفنا المهمش المتروك حائرا يحمل انتاجه ليتوسل دور النشر وأصحاب المطابع وأبتزازاتهم …والفنان المبدع يبقى حائرا في بلد كان مرجعا للفنون والاداب واسس للحضارة ليأخذ حصته من الاذلال والتهميش … والذي آخر ما وصفت به الفنون بأنها رجس من عمل الشيطان ….وما الى ذلك في زمن الاسلام السياسي الذي أفرز خلاله أعتى منظومة فساد في العالم …وأكثرها أزمات ولدينا أكثر من ثلاثة ملايين أنسان بين نازح ومهجر ووضعنا الامني البائس الذي يقف مكتوف الايدي أمام وقف هجمة الارهاب والانفجارات التي يتعرض لها ابناء شعبنا المسكين

لقد آن الاوآن لتلتفت الدولة ومؤوسساتها الثقافية ومنظماتها المهنية وأتحاداتها المسوؤلة الى الاديب والشاعر والكاتب والمفكر والفنان وكل اشكال وادوات الثقافة ….فالتخلف هو الذي ادى بنا الى مانحن فيه ….