18 ديسمبر، 2024 3:50 م

ثقافة الجدران ومظاهرة الأغنام!

ثقافة الجدران ومظاهرة الأغنام!

تظاهر عدد من المزارعين، وأحضروا خرافهم البالغة ثمانية الآف رأس، تحت برج إيفل في العاصمة الفرنسية باريس، للتنديد بسياسة الحكومة لحمايتهم من قطعان الذئاب، مشتكين بأنها تقتل أعداداً كبيرة من شياههم، وبعد إنتهاء المظاهرة السلمية، نظفوا مكان وقوفهم.
 رسم المتظاهرون، منظراً جميلاً على جدران إحدى البنايات، حول كيفية تحقيق مطلبهم، بوضع الذئاب في محميات طبيعية مغلقة، وتأمين أغنامهم، فكانت نتيجة ثقافة الجدران مدهشة، وقد إستجابت الحكومة في ظرف أسبوع، وأنتصر المزارعون وخرافهم!
إيمان المزارعين وثقتهم بالحكومة، وسرعة إدراكها لواجبها وتنفيذه، جعلهم يتظاهرون لأمر يفيد فئة كبيرة من الناس لخدمة بلدهم وبالمقابل اتقنت الحكومة برنامجها الإصلاحي، فعمدت الى وضع الذئاب في محميات مراقبة، لإبعاد خطرها عن المواشي.
 أما في العراق، خرج المواطنون من كل الأطياف، ينادون بالإصلاح، وهم ينتظرون من الحكومة العراقية، إقالة جميع الفاسدين والخونة، من مؤسسات الدولة التي أصبحت رماداً، بفعل هؤلاء اللصوص،وفي داخلهم يعيش بصيص أمل، أن مطالبهم ستنفذ، والقرار المنتج والفعل الصائب، هو ما سيبعد آفة الفساد عن دولتنا إذا ما نفذت الإصلاحات.
إن إجراء عملية تقويم شاملة، لتصحيح الأداء الحكومي، وتقديم الخدمات، وحل المؤسسات الإدارية الزائدة المترهلة، لا يحتاج الى وقت طويل، بقدر صدق النوايا، وإصلاح القضاء، والتشريع الحكيم، والقضاء على حيتان الفساد الكبيرة، التي تعاملت مع المال العام، وكأنه غنيمة حرب اكتسبوه هم وآباؤهم، فشاع الليل في أرضنا، وبدى الضباب أسوداً، لزمن تتمزق فيه القلوب ألماً وحسرة على ما ضاع، أما لافتات المتظاهرين فقد أعلنت خروجها، مطبقة ثقافة الجدران بطريقة جديدة للنهوض!
المتظاهرون ودورهم الرئيسي، في تقديم صورة حقيقة لمطالبهم المشروعة، وعدم المساس برجال الدين، وتشوية جمالية الممارسة الديمقراطية، التي يتمتعون بها، وضرورة رسم لوحة كبيرة جميلة، تدل على مصداقية ما خرجوا من أجله.
هنالك أفكار قوية عميقة، تهز أركان السياسة، وتغلق الطريق أمام التافهين المندسين في التظاهرات، إنها توجيهات المرجعية، والصوت الشعبي المعتدل، المطالب بالإصلاح الواقعي دون ضياع للحقوق، وإستمراراً لعملية التغيير، التي رافقت إنتصارات الحشد الشعبي ضد الدخلاء من الدواعش المجانين، على أن القيادة الدينية الحكيمة، هي التي شرعنت التظاهرات وأيدتها، إستشرافاً منها للمرحلة الخطيرة لأوضاع العراق، وإيماناً منها بحق الجماهير الغاضبة، لأن المشهد كان يقول: الشعب في وادٍ والحكومة في وادٍ آخر!
ختاماً: كونوا كأصحاب القطعان، الذين تظاهروا في باريس، لا تكونوا كالقطعان، لأن المندسين في داخل حشدكم المدني، يشوهون صورتكم الرائعة، التي رسمتموها بإرادتكم، وإصراركم، ومطالبكم المشروعة.