23 ديسمبر، 2024 6:24 ص

شكراً لجهد بعض الكتاب في محاولاتهم تحليل وتفكيك المأزق العراقي الذي تجاوز الخطوط الحمراء بأتجاه الهاوية, عندما ينتهي الشكر في نقطة العتب, نستميحهم عذراً فالواقع لا يمكن تغييره في مقالة او بحث من خارج الوعي المجتمعي, الملايين ببساطتها وجهالتها احياناً قد لا تعجب البعض, هي وحدها القادرة على احداث هزات مجتمعية تتسع لضرورات التغيير والتحولات الجذرية.
لكل خلل مجتمعي بيئته التاريخية, اطفال قرية او مدينة او وطن, يبدأون حياتهم متضامنون داخل فريق رياضي او ثقافي او نشاط فلكلوري, عندما يكبرون تؤثر فيهم بيئتهم فتبتلع اغلبهم احزاب التطرف الطائفي القومي, يتكارهون ويتمترسون واحياناً ينكل بعضهم في الآخر اعتقاداً منهم على ان سلوكهم ونشاطهم امتداد لوطنية طائفييهم وعنصرييهم ولم يدركوا اخطار سادية سلوكهم.
المثقف الملتزم بقيمه الوطنية الأنسانية عليه الا يبدأ من نقطة الأنحياز المسبق, سني يبغض شيعياً اوالعكس وكردي يبغض عربياً اوالعكس او مسلم يكفر مسيحياً او ايزيدياً او صابئي مندائي او يهودي اوالعكس, عليه ان يبدأ تنويري من نقطة التاريخ البعيد للأنحرافات والجهالة والنفوذ الروحي لوسطاء السوء حيث مزقت المجتمع الواحد ودفعت به الى هاوية الفرقة وسؤ الفهم وحماقة الألغاء.
استورثت المجتمعات الأسلامية اشكالية مغلقة تدور حول نفسها ولها من يحصد ثمارها, وان لم توجد لأختلق الوسطاء غيرها, انه الخلاف الذي لا يقبلون له حلاً, يدور حول (ان كان علياً احق بالخلافة ام غيره) حدث هذا قبل (1400) عاماً يوم خرج الأسلام عن نفسه ديناً سماوياً فأصبح وضعياً سياسياً مسكوناً بالسلطة والمال وشهوة التوسع, تمزقت وحدة الطفولة بين حسينية شيعية ومسجد سني, تشظى النص ومعه المقدس عند مفترق الطرق ودخل الخراب الى النفوس وفقدت مشتركات الألفة مضامينها وحل محلها ما خرج من بيوت العبادة من احقاد وكراهية ومكائد للفتن.
الدواعش مثلاً, يفسرها البعض على انها صناعة امريكية صهيونية ويتناسون ان ادواتها قابعة في صميم الأسلام السياسي ومن رحم النص ولدت, ويمكن لأي كان ان يصنع غيرها ما يشاء كمادة للفساد والأرهاب ومن السذاجة ان يدخل المثقف الوطني طرف في عبثية صراعاتها من دون ان يكشف (يعري) بيئة الأسلام السياسي لأعادة انتاجها, الطوائف والمذاهب ليس ادياناً سماوية, انها نشاط وضعي لتكاثر وتسلط احزاب الأسلام السياسي التي يتناسل عنها انفلات النص وطغيان المقدس وفقدان الأمة رشدها.
المجتمعات في حالة حراك ومتغيرات وتطور, العقل هنا لايمكن له ان يتوقف عند حدود اخر انجازاته العلمية والفلسفية, الحرية المجتمعية لاتسمح له التراجع امام النص الديني او الأنكسار عند حدود المقدس, المجتمعات الأوربية ادركت تلك الحقيقة قبل غيرها وعالجت الأمر عبر الفصل بين الدين والدولة, جعلت من السياسة حراك مجتمعي مدني يتفاعل ويكتسب تجربته الوطنية من داخل فضاءات الحريات الديمقراطية وللدين نصه ومقدسه, وظيفة يمارسها بكامل الحرية من داخل بيوت العبادة, فاصبح فك الأرتباط بين الدولة والكنيسة سلمياً انجاز حضاري اقتنع فيه الأثنين وتعايشا وسارت عملية المتغيرات والتطور محكومة بضوابط الأنسنة وسلطة القوانين.
النص عندما يصطدم مع الحياة بمعناها المادي والمعنوي او يحاول افراغ الحقائق من روحها وقطع اوردة الحريات وخنق نفس التراكم الحضاري من داخل المجتمع سيتحول الى اجراءات عقابية فيها الجلد والرجم وقطع الأطراف والأعناق وحرق التراث واشعال حرائق الفتن وعولمة الرعب وشرعنة اساليب العنف الصامت مع المرأة وتفريغها من اولويات ادميتها.
هنا يكون للمثقف دوره التنويري من داخل المجتمع, الأمر يلزمه الشجاعة الفكرية والصمود المعرفي والمنطق العلمي واحترام العقل, قد يخسر بعض  مواقعه المادية والمعنوية ويهمش حد الأختناق, لكنه سيكسب خلوده في ضمير الحقائق والأنسان, اما اذا اختلطت عليه الأمور وتخلى عن دوره فما عليه الا ان يتقبل موقعه على هامش النص الديني.
ثمة صراع لا هدنة فيه بين مخلفات الماضي ورفض الحاضر والمستقبل بأنتظار نتائجه, مواجهات سيترك فيها القديم مواقعه للجديد, قد يبدو الأمر مستحيلاً لكن ما يحدث الآن من خارج مقدسات الشرق يدفع بقطع الصلة معها, وحتى من داخل رماد المجتمعات الشرقية هناك جمرة صامته ستستمد اشتعالها من داخل الأكتشافات العلمية وثورة الأتصالات ورياح التنوير للخلاص من عقدة الخوف والوهم.
العقل وحده قادر على تحرير الدين من السياسة والسياسة من الدين, الوطنية لاتاتي من تحت عمامة مدعي الأيمان والأقدار اذا ما هبطت من السماء الى الأرض على جناح السياسة سيصبح الواقع مكباً للأكاذيب والخداع والتضليل والأستغباء الشامل ويصبح العقل اسيراً, ماذا يعني ان يكتب المثقف بحثاً او تحليلاً او نقداً خجولاً ان لم يغمرها شرف الأنحياز الى الحياة, المثقف الوطني وحده القديس, ان لم يؤدي وظيفته التنويرية ويترك اثره في صميم الأشياء عليه ان يقبل هامشيته على ضفة ال
24 / 02 / 2016