لا ، هناك ولا مُقارَنْ .. بل لا ، وكيف نساوي التخلف بالتحضّر ؟؟؟؟؟ ..
متسولان احداهما مواطن تركي وآخر عراقي ..
” لو كان الفقر رجلا لقتلته !!!!! ” – لسان عليِّ ، ذلك مفروغ منه …
لا ريب لمحتاج يَمُدَّ يده والعوز أجهزَ على رغيف كرامته .. كلاهما معوزان ، غير ان هناك بوناً شاسعاً بينهماً .. فالمتسول العراقي يعكس صورة مؤلمة ، مع قبحها وما خالطها من بؤس فهي ايضا مدعاة لإهانة ( الذات الوطنية ) ، نعم ، فأي اهانة لكرامة الفرد ،انما هي اهانة للوطن الضام لذاتية الفرد ، وبمجموعهم تكون الامة مهانة ويقال عن شعبها أنه شعب مهان دونما كرامة ويالها من رزيّة وهو يعيش في بلد الخيرات ” العراق ” ؟ .
المتسول العراقي يحاول تحريك مستفزك الإنساني ومن أجل استمالة عطفك عليه وليحصل في النهاية على دينار أو درهم ، تدفعها انت له اما بداعي الصدقة أو المساعدة والشفقة عليه .
لكن ما هو الأسلوب الذي يتبعه العراقي في فَنِّ التسوّل ؟ ..
أنه يفترش الطرقات ، بملابسَ رثةٍ متهرئةٍ وجسمٍ متسخٍ وشعرٍ أشعث ، ماداً يده ، صامتاً كان أم مستغيثاً مستصرخاً طالباً للصدقةِ بكلماتٍ توجعُ قلبَ سامعها وتلحُّ عليهِ بالحَزنِ والنّكدِ مع الجزعِ وبشاعةِ الصورة .
فنٌّ بفَنِّ التّسول ، يأخذك هو الآخر الى كَدَرِ النفوس بلحنِ المفردة في تلاوة الذكر ، أو ببكائية النائح بإحياء الذكرى الأليمة لإستشهداء سيد سادات أهل الجنة الحسين وآل بيته ، بمكبرة صوته أو ما خلاها ، يمزق نيطان قلبك ويفري كبدك بعويلٍ الثكالى يقرأهُ على المارة في مواقع عدة بواجهاتٍ تجاريةٍ أو عند المراقد والمقابر ، يلحن بقراءة القرآن ولا من أهمية وانت تسمع لحنه واخطاءه في القراءة ، فميّتُك مُسجّى أو حتى ان كنت من المُشيّعين فغالب ما تتذاكره مع عقلك ، هو مقدار ما سوف تبذخ عليه من العطاء .
نعم هناك الاطفال المتسوّلون ، وهناك النساء المتسوّلات ، واللاتي بعضهن من سببت لطفلها عاهة وبقصد التسوّل فلا يضارها الم الأمومة مازالت الدنانير ترمى بأحضانها أو تلتقطها بشغف التقبيل من يدها .
لكن هناك أيضا المافيات التي تستغل الأطفال المشرّدين ، والنساء اللاتي أجبرتهن الظروف لبيع شرفهن وعفتهن بطباع إرثها الغجري وهي شابة ولما أصبحت طاعنة بالسن فما عاد جسدها يرضي ذكورية الشائق بالتلذذ لإشباع رغبته ، فأفترشت الشوارع والأزقة وأبواب المساجد ، بملابس سوداء مضمخة بالروائح الكريهة ” وهن على تلك الحال هناك من ضعاف النفوس من يسيل لعابه عليها .. ” أو لا ، هو الإجبار القسري الذي دعاها لإمتهان التسوّل بعد وفاة زوجها أو تقديمها إياه قرباناً للوطن !! ، لتعيل أطفالها فوقعت بين يدي من لايرحم من عصابات مافيات التسوّل ، وهنا المصيبة أعظم .
يأتي التقصير الحكومي في انتشال تلكم النسوة وغيرهن من هذه الآفة المخزية للوطن كبلد ينعم بالخيرات ، وتخصيص رواتب لهن من خلال تسهيل الإجراءات وادخالهن في برنامج الرعاية الإجتماعية ، اضافة الى ذلك ندعو السيد وزير الداخلية بتوجيه اعمامٍ للمحافظين كافة والى قيادات الشرطة في المحافظات وبالأخص محافظتي النجف وكربلاء ، للحد من انتشار تلك الظاهرة والقاء القبض على المتسوّلين الاجانب ” جانت عايزه …. ” ، بجانب العراقيين منهم ممن ثبت عليه ارتباطه باحدى مافيات التسوّل وحتى لا نوصم بالعار من قبل شعوب المنطقة اضافة الى العار الذي لحق بنا وحسب نظرة أغلب الدول من اننا شعب متخاذل وخانع امام انظمته وكونه من الشعوب الغير قادرة على صنع التغيير الا أن تأتيها الأفواج الغازية من الدول الغربية كانت أم من وقعت بجهته الشرقية ، فهل نحن كذلك ؟ .. يال قدرنا ” الأغبر ” !! .
ثم هلموا معي لصورة أخرى من المتسوّلين لكن هذه المرة وكعينة منهم حتمتها المشاهدة خلال سفرة قام بها صديقا لي، فالتقطتها عدسة كامرته ليرسلها اليَّ ، هي من استفزتني لكتابة مقالي هذا .
متسوّل طاعن في السن ، يرتدي بزة جميلة ، مصفف الشعر ، أنيقا بنظافته ، متعطر الجسد ، حمل آلته الموسيقية عازفاً أنغاماً تدخل البهجة والسرور لدى المارة فيجبرك على التوقف للإستمتاع بعزفه ، وهنا تكون أنت بخيار بذخ العطاء لتغدق عليه من صرة نقودك دونما أن تُشعره بالخجل من تكسّبه ، فهو وان كان بثقافة الشعوب ينعت بالمتسول غير إن كسبه جاء عن عمل قام به فأستحق منك الأجر لا الصدقة ؟ .
للمثقفين أدعوا ، ولأصحاب المنظمات الإنسانية من أن يولوا هذه المسألة من الأهمية ، بعد أن بتنا يائسين من حكوماتنا التي تعاقبت بعد 2003 ، بتقديم هكذا برامج ترسخ هكذا ثقافة تجبر متسوّيلينا على أن يقوموا بأي عمل بسيط كالعزف أو بيع الزهور أو اللوحات وغيرها من المشاريع الصغيرة وحتى نغيّر تلك الصورة البشعة التي نشاهدها يوميا في شوارعنا وأرصفة المارة ،
نعم نستطيع نحن كمثقفين وفنانين وادباء ، من أن نغير ولو بالحد الممكن من متلازمة الهيئة الرثة والصوت الجنائزي لهؤلاء من خلال ما تجود به عطايانا أو من خلال الدق على رأس الحكومة بلفت انتباهم من خلال كتاباتنا .
نجد أن منظمات المجتمع المدني هي الأخرى مقصّرة التقصير الكبير كونها لم تهتم بهكذا شريحة بإنكفائها فقط على إقامة الورش الغير ضرورية وان كانت تعنونها بعناوين كبيرة غير ان هدفها فقط هو ما سيعود عليها من ربح مادي كانت احدى المنظمات الدولية خصصتها لها بدواعي النشاط الحي والمفيد للمنتخب من المواضيع المجتمعية وما ضمت بدفتيها من أمراض .