22 ديسمبر، 2024 1:34 م

ثـلاثـة عشـر عامــا عجـاف

ثـلاثـة عشـر عامــا عجـاف

تمـر الذكرى الثالثة عشر لاحتلال العـراق تحت ذرائع كاذبة ومزاعم امثلاك صـدام للاسـلحة النوويـة التي تم تدميرها بالكامل عام 1991 بعد مغامرة الارعن صدام بغزو الكويت ، وبالرغم من الخلاص من الحكم الدكتاتوري القمعي لصدام ورهطه من الجاثمين على انفاس الشعب العراقي لعشرات السنين والذين اذاقوا العراقيين موجات لاتوصف من العنف والخراب منذ انقلاب 8 شباط 1963 المشئوم ، الا ان الدمار الذي تعرض له العراق منذ 2003 لم يترك فسحة كبيرة للامل وترك لدى العراقيين خيبة كبيرة عكس ما كانوا يتمنوه عقب الخلاص من الدكتاتورية.
ان الاحتلال الامريكي والذي اعقب الحصار الذي استمر لمدة اثنتي عشر عاما سابقة عانى فيها الشعب الامرين في ظروف غير انسانية مدمرة افتقد المرء فيها ابسط مقومات الحياة الانسانية ، كمـا ان القوانين والمواثيق الدولية تفرض على المحتل اعادة بناء مادمرته اثناء الاحتلال ولذا فان من مسؤولية امريكا اصلاح الدمار الذي خلفته في العراق رغم البنود المذكورة في اتفاقية سحب قواتهم بمساعدة العراق في المجالات الاقتصادية والصحية والتعليمية واصلاح البني التحتيه والتي لم يتم تطبيق اي من تلك الوعود على ارض الواقع.
لقد كان العام الماضي مليئا بالاحداث والتطورات المتسارعة وفي مقدمتها الحراك الجماهيري والمظاهرات الشعبية في محافظات العراق الجنوبية والتي تبلورت شعاراتها بشعارات تطالب محاسبة الفاسدين ومحاسبة السراق واصلاح النظام القضائي الخاضع للسلطة التنفيذية وتوفير حياة كريمة بتوفير فرص العمل وتوفير الخدمات الصحية والكهرباء والماء وملاحقة الحرامية لاسترجاع الثروات المنهوبة وتبلور شعار ” باسـم الدين باكونـا الحراميه ” ولكن بنبغي الحذر من محاولات احتواء الحراك الشعبي الجماهيري واستنزافه من مطاليبه ويبدو ان محاولات التمييع ايضا بدأت في اختزال عملية الاصلاح بتغيير وجوه الحكومة ووعود بأجراءات لاحقة !
ان الازمـة الحالية لايمكن معاجتها بوعود وخطابات فارغة كما هو دأب رئيس الوزراء الحالي الذي لايبدو عليه انه قد تخلى عن طريقة سابقيه في اسلوب المراوغة وتجاهل معالجة المشاكل المتراكمة بسبب الفشل المستمر والتخبط المتواصل في سياسات المحاصصة والطائفية التي اوصلت العراق الى الكوارث الحالية وفي مقدمتها سقوط الموصل ومناطق واسعة من المناطق الشمالية والغربية بايدي عصابات داعش الوحشية وتهجير ملايين العراقيين الذين يعيشون في ظروف معيشية صعبة وتعجز الحكومة عن تقديم ابسط مستلزمات العيش لهم بسبب الفساد المستشري وانخفاض اسعار النفط الذي يعتبر المورد الوحيد تقريبا لايرادات بلد دمرت صناعته وزراعته واصبح يعتمد كليا على بيع النفط وحتى هذا المورد تتم سرقة جزء كبير منه من فئة طفيلية حاكمة سواء عبر السرقة والتهريب او عبر شرعنة الفساد بقوانين تخصص لبضعة الاف من الوزراء والنواب المسئولين الكبار السابقين واللاحقين وهناك احصائيات تشير ان ان خمسة الاف من الموظفين ذوي الدرجات الخاصة يستنزفون ثمانين بالمائة من مجموع الرواتب التي تصرفها الدولة .
انتشرت في الاونة الاخيرة تفاصيل عملية فساد سميت ” اكبر رشوة عالمية في تاريخ عقود النفط” وابطالها وزير النفط السابق ورئيس لجنة الطاقة لسنوات اضافة لرئيس شركة نفط الجنوب وعدد من كبار موظفي النفط والوسطاء الذين استخدموا اسماء رمزية على غرار الاجهزة المخابراتية وعصابات المافيا والجريمة المنظمة وتشير تلك التفاصيل الى استلام رشاوى بملايين الدولارات عبر شركة وسيطة هي ” يونو اويل ” وهذه مجرد في بعض العقود النفطية فقط وماخفي كان اعظم .
امـا الفضيحة العالمية الثانية في ما تسمى باوراق بانمـا حيث اخترقت اوراق مكتب محاماة متخصص بمساعدة المليونيرية على التهرب من الضرائب وغسيل الاموال وتبين ان رؤساء عرب سابقين وملوك وامراء حاليين يستخدمونهم لترتيب تهريب اموالهم واخفاءها ومازالت الفضيحة في اطوارها الاولى وليس من المستبعد ان تظهر فضائح مسئولي السلطة الحالية سواء عبر هذا المكتب او غيره لان الواضح ان رائحة فساد قيادات الاحزاب الاسلاموية والقومية الحاكمة تزكم الانوف ومئات الملفات عن السرقات المتفشة في جميع الوزارات معلنة منذ سنوات دون ان تتخذ اجهزة القضاء اية اجراءات رادعة او محاكمات تردع الاخرين حيث لاتجري محاكمة الوزراء الا غيابيا واصبحت اجهزة العراق القضائية مثار سخرية لعجزها وخضوعها للسلطة التنفيذية ولذا فان استقلالية القضاء واصلاحه مهمة اساسية ولازمة اذا كان البلد يستهدف فعلا محاسبة الفاسدين واسترجاع الاموال المنهوبة التي تقدر بمليارات الدولارات ولايبدو ان حكومة المحاصصة الطائفية الحالية قادرة على تحقيق هذا المطلب الاساسي.
ان الهوية الوطنية العراقية التي يركز عليها المتظاهرين هو مبعث امل لمستقبل ينتظره العراق وخاصة جيل الشباب المحروم من حياة كريمة يتوفر فيه تعليم جيد ومدارس لائقة وخدمات صحية وادوية وكهرباء وماء صحي وتوفير فرص العمل للالاف من خريجي الجامعات العاطلين وملايين الشباب ولكن ذلك يتطلب كخطوة اساسية تشكيل حكومـة بعيدة عن المحاصصة الطائفية فيها عناصر كفؤة قادرة على وضع العراق على سكة الخروج من مآسيه الحالية وطرد داعش ومحاربة الارهاب المترابط عضويا مع محاربة الفساد وتقديم السئولين المتهمين بسرقة المليارات والفشل في الدفاع عن سيادة البلد الى محاكم نزيهة عادلة وفي مقدمتهم رئيس الوزراء السابق القائد العام للقوات المسلحة.
لاينبغي ابدا نسيان ما جلبه الاحتلال من كوارث للعراق وارتكابه جرائم حرب لاتحصى وفي مقدمتها تدمير جيش العراق والتسبب بسرقة اثاره وتعذيب السجناء في ابو غريب ومسئوليته عن تبذير اموال العراق وجلب الارهاب كالقاعدة للعراق وسن الحاكم المدني بريمر قوانين وفرمانات ما زالت معظمها سارية المفعول رغم البرلمانات المتعاقبة ولو كانت هناك عدالة لوجدنا مجرمي الحرب وخاصة جورج بوش وتوني بلير امام محكمة عالمية .
[email protected]