عام 1994، هو من سنوات الصيرورة للحراك الشعبي في العراق..
حينها،، انا واخ زوجتي رائد، كنا مهتمين بالمشاركة في عمل ضد الحكم الديكتاتوري، ابراء للذمة، وانطلاقا من ثوريتنا الجنوبية، المتأصلة في اعماقنا..وطبعنا..
بحثنا في ازقة الحويش (محلة نجفية) عن موقف تجاه ما يحصل .. او تكليف ما .. من العلماء..
زرنا اغلب العناوين الموجودة في النجف الاشرف.. الشيخ الغروي والسيد علي السبزواري والسيد السيستاني..ثم التقينا بالسيد محمد تقي الخوئي.. وكان الجو العام ،،هناك،، هادئا،، وبعيدا عن السياسة..
ثم زرنا مسجد الانصاري،، محاولا الحصول على تسهيلات للالتحاق بالمعارضة،، ولكون المسجد يدار من قبل ال الحكيم… لكن لم نجد المناخ العام مناسبا،، للطلب.. فرجعنا..
بعدها الغيت فكرة الالتحاق بالمعارضة،، لان الاستاذ جبار (من اهالي الطينية في الحلة) قد اخبرني عند عدم جدوى ذلك،، وان المعارضة وهم، واعلام فقط، وحكى لي قصة احد معارفه،، والذي باع بيته واثاثه ..وسافر عبر الاهوار، مخاطرا بنفسه وعائلته، ليلتحق بالمعارضة في ايران.. وبعد شهر رجع خائبا ونادما.. ليكشف حقيقة ذلك السراب الذي كنا نتامل منه الارتواء..!!
ثم قررنا، انا ورائد، ان ندرس العلوم الدينية.. وكنا قد بدأنا بمطالعة الكتب الدينية التي كنا نحصل عليها بصعوبة.. ولم نجد ، حينها، حراكا علميا منفتحا او بابا مفتوحا، ..ويبدو ان عملية تعليمية فعلية، ليست موجودة في الواقع، وان ما نراه هو عدد من المعممين، راجعوا البرانيات لاستلام رواتب قليلة، مع تسجيل حضور، شهري، او غير ذلك…
بعدها، اخبرني رائد، عن امكانية الحصول على كتب منهجية من مكتب السيد محمد الصدر..
ذهبت للحلة، لمقابلة رائد، ثم انطلقنا الى النجف الاشرف .. ودخلنا الى بيت صغير..وقديم.. لا تتجاوز مساحتة مئة متر مربع.. يقع في زقاق ضيق.. مقابل الحرم العلوي..
اجتزنا الباب لنجد باحة مفتوحة (حوش) وغرفتين على اليسار.. احدهما في الركن البعيد..لا تتجاوز مساحتها عشرة امتار مربعة.. يجلس فيها بتواضع..رجل معمم. نحيف ..ذو شيبة..وحوله عدد ممن يرتدي الزي الريفي (العقال)..
وكانت المرة الاولى التي ارى فيها السيد محمد الصدر..
كنا (افندية).. سلمنا وجلسنا.. وبعد قليل قدموا لنا الشاي..
شعرت حينها بشيء مختلف نسبيا.. شعرت بوجود حراك تعليمي.. داخل مكتب السيد الصدر..
اسئلة واجوبة.. ولوحة اعلانات.. ابواب صغيرة في الحائط تفتح لتكشف عن كتب مخبأة فيما يشبه (الرازونة)…
ولم يكن الامر مقتصرا على توزيع رواتب وقبض حقوق…كما في باقي البرانيات.. بل هنالك اعلان عن جدول دروس ومحاضرات…
شعرت ان السيد الصدر.. يؤسس لشيء مضاد للآخوندية…(1)
حينها.. لم اتشرف برؤية السيد مقتدى الصدر…
لكنه، قد يكون محاضرا ،في ذلك اليوم، او خلف جهاز الحاسوب، ليكتب وينضد..
او يمارس هوايته المفضلة.. وهي اصلاح الاجهزة العاطلة..
….الهوامش…
(1) الآخوندية…مشتقة من اسم عالم الاصول الكبير وهو الآخوند الخرساني.. وعنده اشهر كتاب في الاصول.. ذو عبارات صعبة وعقدة.. غالبا يحفظها الطالب ولا يفهمها ..!! ومن يصل مرحلة السطوح ، يدرس هذا الكتاب، ويعتبر نفسه وصل الى مرحلة علمية متقدمة.. الا ان الأخوندية اصبحت سلوكا يقترن بالتعالي والبيروقراطية.. وكأنها طبقة من النبلاء ويطلقون على بقية الشعب ب (العوام) .. والتزمت شريحة واسعة من المعممين في الحوزة، واغلبهم من خارج العراق، بالأداء الآخوندي المتعالي، الملازم لحياة برجوازية، نوعا ما..
[email protected]