ما بات يشهده الوطن العربي اليوم محزن ومخزي في آن واحد، وهذا يرجع بالدرجة الأولى إلى الذنوب التي نقترفها كبشر في حق أنفسنا أو في حق بعضنا البعض، وهذا ما دفع الكثير من أهل الإسلام للوقوع كضحايا لهادم اللذات أو الهرب بحثا عن ملجأ آمن في وطن غير وطنهم، ولكن هل وجد ذلك المسلم اللاجئ الراحة والسلام يا ترى؟!
كل هذا دفعنا لنعيد قراءة كتاب “هموم داعية” لفضيلة الشيخ محمد الغزالي الذي جعله جملة من التساؤلات الغير المباشرة فيما يخص توضيح معالم الرسالة المحمدية، التي يعتبرها رسالة وعي إنساني بالدرجة الأولى
كونها جاءت لتخدم البشرية جمعاء بغض النظر عن عقائدهم وطقوسهم الدينية لقوله تعالى: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” (سورة الأنبياء: الآية 107).
يفتتح الشيخ الغزالي كتابه هذا بمقدمة جاء فيها على لسانه كلاما لا يخلو من نبرة الحزن والأسى للحال الذي وصلت إليه أمة محمد صلى الله عليه وسلم، في عصر عرف الازدهار والتطور التكنولوجي لكنه أبى إلا أن يعبد اللذة ويزدري الآخرة كما يقول ربنا في كتابه الكريم: “تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين” (سورة القصص: الآية 83).
جاء الباب الأول في هذا الكتاب تحت عنوان “السلفية التي نعرف ونحب” أين يشير الغزالي إلى شخصية المبلغ للرسالة العظمى – رسالة الإسلام – ويشير منذ الوهلة الأولى إلى الرسول العربي الملهم الذي واجه بإيمان صادق تلك الظلمة الكثيفة والخصومة الملتهبة، وهو يتحرك في صحراء الجزيرة العربية حاملا البلاغ المبين وكله عزم وإرادة من فلاذ، بينما ما نراه اليوم من أقوال وأفعال المصلحين وقادة الأوطان لا يبشر بالخير، لأن إبليس قد نجح إلى حد ما في إغوائهم، حتى أن هناك دولا عربية إسلامية صارت لا تنصف المظلوم بل تقف في وجهه نصرة لمن ظلمه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين.” (رواه الترمذي).
كما أشار شيخنا الجليل في عجالة إلى ماهية حاجة أمتنا المحمدية إلى منهج يصل حاضرها بغابرها، وهذا في نظره لا يكون إلا بالجماعة، فالفرد وحده لا يقدر على فعل شيء أمام أعداء الدين الحنيف، وهذا ما نشاهده اليوم للأسف فالناس باتت فرادى تبحث عن المنفعة الخاصة قبل
المنفعة العامة وتناست قوله صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.” (متفق عليه). وبالتالي أصبحت أمة التوحيد في عصرنا هذا متفرقة أمما شتى وخاضعة لعلمانية الغرب المصطنعة لأغراض دنيئة.
جاء الباب الثاني يحمل عنوانا يعكس أهمية تحكيم العقل في أمور الإنسان كلها، لأنه من وجهة نظر الكاتب هو أساس التحدث مع الناس باسم الإسلام. “لا سنة من غير فقه” عنوان يدفعنا للغوص في ثنايا فكر الشيخ محمد الغزالي لفهم فحواه، وما يثير الانتباه في هذا الجزء هو ضرورة الرجوع إلى القرآن في الأحكام الفقهية أولا، لأن الغفلة والقصور في إدراك معانيه عاهة نفسية وعقلية لا يداويها إدمان القراءة في كتب السنة أو بمعنى آخر حسن فقه السنة من حسن فقه القرآن، لأنها – بمعنى السنة – تأتي في المرتبة الثانية.
كما يرى الغزالي هبوطا رهيبا عم الدين واللغة العربية معا، وهذا يرجع لاستحقار العرب للغتهم – لغة القرآن – إلى حد كبير وتفضيل اللغات الأجنبية عليها وهذا هو الخنوع والإذلال بشكل آخر للعالم الغربي.
جاء الباب الثالث عنوانا على شكل تساءل لاستفزاز القارئ كما يلي “هم بنو إسرائيل.. فبنو من نحن؟”، وجاء كلام شيخنا الجليل معللا بما يفعله بنو إسرائيل منذ سنين دون كلل أو ملل، فهم يديرون المعركة على أساس ديني بحت ويستقدمون أتباع التوراة المحرفة من أراضي المشرق والمغرب قائلين لهم: “تعالوا إلى أرض الميعاد، تعالوا إلى الأرض التي كتبها الله لأبيكم إبراهيم كما أكد العهد القديم..”، وفي هذا الوقت أكد الإمام الغزالي على أن العرب وخصوصا المسلمين منهم يتعرى عن دينه بحكم التحضر والمعاصرة بينما يتسربل اليهود بعقيدتهم ويصرخون بحماس هائل: نحن أبناء التوراة وأولاد الأنبياء، نحن بنو إسرائيل..!، فأين هي نخوة المسلم يا عرب؟!