إني لأعجب من الحياة حقا , حينما تدعونا إلى فعل أشياء لم تكن تخطر على بال ما رسمناه لأيامنا , ها نحن قد نجهض آمالنا ونحمل أنفسنا ما لا نطقه , بمجرد الخضوع لإرادة الواقع وتنفيذا لرغباته الطائشة. فحينما تتزاحم الكلمات وتضايق بها الأنفس , وتتصارع معها الأحشاء , عندها تنطلق الروح إلى ميدان الكتابة لتلقي كلماتها هناك . فيا له من ميدانا رحبا واسعا يتحمل ثقل أعبائي وإكلالي , لم يتبقى لي سواه فهو ملاذي الوحيد الذي أفر إليه حيث ألتقي فيه بذلك الصديق الحنون الذي يلوح لي برأسه وكأنه يدعوني إليه مستقبلا أناملي الناعمة لتحتضنه وتراقصه على أنغام كلماتي , القلم نعم صديق للضائع , وتلك هي الحقيقة فالذين يكتبون هم العاجزين الذين لايستطيعون أن يحيوا شيئا بأفعالهم فلجئوا للكتابة كي تعبر عنهم و تروي مشاهد حياتهم, إذ ما من وسيلة فعل أخرى لان للحقيقة حقوقها في أن تقال وتشهر..
لطالما سئمت من كلماتي المجهولة التي تدور في حلقات من الإسئلة الجريحة , والتي لم اجد لها شفاء يذكر لبعدها عن فلسفة الواقع المرير … مثلا …ألسنا نحن من نبث الأمل ونزرع الثمر لنحيا الحياة شامخة على الأرض ومع ذلك لا نكسب فيها غير دور الضحايا الأبرياء في حين تمنح الحياة وجودها للماكرين الذين يحتالون عليها ويبتاعون الخدع . ولماذا الحقيقة مبيته دائما في غياهب الظلام كالنور الذائب في ظلمة الليل حيث لا يستطع أن يبزغ , لمجرد أننا نريد الغفلة في الظلام ؟.
أقول مرة أخرى إنني لجئت إلى الكتابة لشعوري الحسي المرهف إضافة إلى ما يستفزني من طاقة وطنية لا تعرف الصمت , وإرادة ثورية لا تعرف الخور.. للنهوض بواقع عصر الأصطدام الحضاري والغزو الإستعماري هذا ..والذي قل فيه عدد القراء وأزداد عدد الكتاب بفضل رواج تجارة الكتابات وخصوصا في دور العررض الألكتروني , حتى اصبح كل شيء كلمات الكترونية تستصوب أهداف سياسية واقتصادية فئوية بعيدة عن المصلحة العلية الوطنية وعن الإصلاح والتوعية الاجتماعية , حتى الحب جعلوه مجرد حبرا أثيريا أو ورقيا ليخطفو قلوب النساء ويثيروا تجارة الشهوات حتى نجد مقابل ذلك تصاعد وتيرة العنف وجمود الفكر واضمحلال الذات ..
بينما أنا لا اجيد هما سوى التفكير والبحث عن مصادر لأزيد رصيد ثروتي من الكلمات , لتمكنني من أن أدعوا بها إلى وطن آمن سعيد..حتى وإن بقيت مفلسة على الآخر, لا أملك غير بضع كلمات ليس لها ورق مستوحاة من افكار قد أزداد بها الأرق ومشاعر لو أدركها أنس لغرق …