23 ديسمبر، 2024 9:17 ص

ثب إلى رشدك أيها الزاني!

ثب إلى رشدك أيها الزاني!

طلعت علينا العديد من الرّوايات المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة الطاهرين من أهل بيته عليهم السلام تذكر جملة من الآثار الوضعية لفاحشة الزنا التي تلحق الزاني في هذه الحياة الدنيا، إضافة إلى الآثار في عالم البرزخ وعالم الآخرة، ومنها عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (يا علي في الزنا ست خصال، ثلاث منها في الدنيا، وثلاث منها في الآخرة، أما التي في الدنيا فيذهب بالبهاء ويعجل الفناء ويقطع الرزق، وأما التي في الآخرة فسوء الحساب وسخط الرحمان والخلود في النّار). (الخصال للشيخ الصدوق ص 321).
فهذه الرّواية تشير إلى بعض الآثار الوضعية للزنا فهو يذهب ببهاء الوجه – أي يؤثر على نضارة الوجه ونورانيته – وذلك دليل على اتساخ النفس الإنسانية وتكدرها وعدم صفائها بسبب ممارسة صاحبها فاحشة الزنا، انني وبضرس قاطع أوكد على أنه لا يوجد زاني على وجه الأرض صبيح الوجه مشرق المحيا، بل بالعكس تماما ترى الزناة مقطبة وجوههم عليها عتمة واضحة لمن يتفرس في وجوههم الكالحة التي لا تكاد تعتليها غبرة بالرغم من أن بعضهم يحاول تلميعها بالمساحيق والحلق، ولكن الوجه إذا سلب النور والبهاء فلا مصل يفيد ولا عبير، وذهاب البهاء لا يقتصر على الحالة الحسية بل في الحالة المعنوية يكون أظهر، فالزاني اضافة إلى عتمة الوجه وتقطيبه، فإنه يكون مسلوب الهيبة والوقار والسمعة الطيبة بين الناس، إنه وبإصراره على الزنا يكون ممقوتا ممجوجا ممسوخا اجتماعيا وأخلاقيا يعيش لحظته التعيسة مع من يشاكله في هذا العمل القبيح، وكما قيل في محله (أن الطيور على أشكالها تقع) ولهذا تراه يعيش في دائرة السوء والمنكر ما دام بعيدا عن مجتمع الصالحين الذين تعرفهم بسيماهم وطلعتهم البهية التي تبدو واضحة للقاصي والداني. 
ويعجل الفناء – أي يؤدي إلى قصر العمر – فمن ينظر إلى الأمراض الفتاكة التي تنتقل عن طريق الزنا والتي لم يكتشف لها علاج، أو العلاج الذي اكتشف لها لا يؤدي إلى برئها وشفائها تماماً بل تبقى حتى تقضي على الإنسان، يظهر له هذا الأمر جليّاً، فإنه يكاد رأسي ينفلق كلما فتشت عن حل لهذا اللغز، ألا وهو أن الذي يطرق أبواب الزنا يحفر قبره بيده ويفنى قبل أقرانه من الأسوياء، ثب إلى رشدك أيها الزاني، ما كنت حالما آنئذ ولا أنت حالم الآن، ولكنها ظلال أحداث تزحف عليك من غياهب ماضيك العاهر، وما من حدث تمر به أو مرض يعرض عليك إلا بدعوة منك، وإلا لحاجة ملحة في نفسيتك المريضة، يمكن استبدالها بالطيب الهانئ ولكنك آثرت الماحق وانتخبت المريب، ولولا ذلك لما جاءك الغول ولما عصفت بك غوائل الأمور ولما هبّت عليك وانت في غضارة العمر عواصف المنون!.
ومن الأمور القهرية الوضعية التي تعصف بالزاني أنه يقطع الرزق، وأن التجارب علمتنا من أن الزاني قد سار في جادة الاقتار والعوز، والحالات الشاذة التي نراها بأن بعضهم يكون في بحبوحة من العيش هذا إما أن يكون للاستدراج والامتحان وإما أن يكون لسوء العاقبة والامتهان، ولا يزال الزاني الذي انتخب المنكر يتقلب في أحضان الفقر والفاقة والجشع والطمع والاعتداء على حقوق الغير، ما يضفي عليه سلوكا منحرفا لا يقتر على رزقه فحسب بل يضرب طوقا على كل شؤون حياته.
هذه هي سنة الحياة فالكاد على عياله واطفاله والعفيف الفرج والبطن يوسع الله تعالى عليه رزقه ويجعل البركة في معاشه ومأكله ومشربه ومسكنه، أما الجاني على الانسانية الذي يعبث بالأعراض والشرف دونما حياء، فالله تعالى يقتر عليه رزقه ويسلب البركة من حياته، وهي نتيجة طبيعية لعواقب الأمور، هي اعمار تنحسر عن اعمار، وارزاق تتمخض عن ارزاق، وآمال تمهد السبيل لآمال، وأهداف تتصل بأهداف، فلا انقطاع في العمل الخلاق حتى يكون للإنسان ما يشاء من الانطلاق في الخلق والابداع دونما قيد ودونما حد، وإنما القيد والحد يضربان بأطنابهما كل متسكع محتال فانهما يقطعان سبل المعروف لكل من تسول له نفسه من ان يشذ عن قاعدة العفاف والسداد.