23 ديسمبر، 2024 5:23 م

وكلها مصدره واحدٌ ، وكلها خطرٌ علينا وعلى صاحبه . ولئلا اُوقع القاريء في حيرة أيضاً فأقولُ : في عالمنا العربي، وفي أصقاع اُخرى خارج حدودنا يبدو العمرُ في تقلباته مُحيّراً أيضاً ، فلا نتقبل ما يُداهمنا من شيخوخة أو تخاذل في الجسد ، الطفلُ في أيامه الأولى لا يشبه إياه في سن الشباب ، ولا شبابه يُماثلُ شيخوخته في سبعيناته وثمانيناته . لذلك يلجأ المرءُ الى التشبث بوسائل التجميل في سحب جلد الرقبة والوجه وربّما اليدين والأصابع . لكن مَنْ يقدر على تجميل العقل والذاكرة والصوت حين يشيخ ونظرات العينين والشهية والنشاط الجسدي ؟ .

الشقُّ الأول من حيرتي عن تشبثُ حكامنا بالكراسي حتى الرمق الأخير ولو غشيه أرذل العمر / يموتون على عروشهم مثل النبي سليمان / . فكيف يحكم بلداً أوشعباً ويتحملُ عبء مسؤوليات أبنائه مَنْ ينوءُ بسنواته الثمانين المُثقلة بالمرض والعجز والذبول. أنظروهم على شاشات التلفاز فهم يجرّون هياكلهم جرّاً ،عميان ٌ ينظرون ولا يُبصرون ، بهتت ذاكرتُهم وخبا فيهم وميضُ العقل ، لا يستطيعون تركيب جملتين سليمتين ، مُحاطين بشرذمة من المستشارين . هو يُمارسُ اللصوصية ويسرق شعبه ، وهم يسرقون أضعاف ذلك . أغلبهم يجئ الى الحكم أباً عن جد ، او عن طريق الأخ الأكبر وثمة مَنْ يليه وهكذا . والسياسة ُ وان اختلف الحاكمُ هي نفسها تمضي من سئ الى أسوأ ، نحن أمة ٌ نتوارثُ السيئات ، لأنْ ليس لأحد منهم فضائل ومبادرات ثورية جذرية وانسانية . وارى على شاشات فضائياتنا مومياواتً بأشكالهم المخيفة يُديرون مصائرنا بأساليب قمعية وتعسفية خارج اطر القانون الدولي وتعاليم السماء . كما أن / الخريف العربي أو جحيمه / أتى بأمثال مَنْ ذكرتُ ، فلمَ لا يختار الشعب حاكماً طري العود ، ذا منطق وعقل وجسد سليم . تأملوهم على وسائل الإعلام ، كلهم يرجفون ويتلكؤون في القول . ولكلّ أحد منهم تأريخ شيطاني يتبرّأ منه الشيطانُ نفسه . فاذا كان الخريف العربي من أجل التغيير/ تغيير الشخص والسياسة / فلمَ يؤتى بهؤلاء الذين تجاوزوا سبعينات اعمارهم ، ونضب ابداعهم فضلاً عن كونهم عملاء للغرب تُملى عليهم شروط  لا تسمح لهم بخدمة الشعوب ، بل الأوليات للمصالح الاجنبية . وهكذا الحال في كل بقعة على الساحة العربية . لا صوتَ الّا للعجايز من ذوي التواريخ المُلطخة بالعمالة . وأتساءلُ : أينَ الشبابُ الاُلى صنعوا ربيعهم ، وناضلوا ومات كثيرون منهم ، ثمّ تختفي أصواتُهم ، ويخرج الموتى من قبورهم ويرشّحوا أنفسهم للرئاسة. فهؤلاء فشلوا وخانوا وسرقوا وابتعدوا عن أماني شعوبهم ، فكيف يُعقل أن يعودوا ثانية الى الحكم خلل انتخابات / نزيهة / يُخطط لها من وراء الحدود وتصرف من اجلها ملياراتٌ والمواطن العربي الفقيرُ لا يكاد يجد رغيف خبز يُسعدُ به عياله .

نحنُ أغبياء ، لاعقل ولا بصيرة ، لا نُفكّر بما حصل لنا أمس في ظل حكم العجائز .

ولسوف أتخيّل أنني سأوقف كلّ هؤلاء الموتي  من حكامنا ومن يتبعهم أمام حائط ، لا لإطلاق النار عليهم وانهائم . لأن الولايات المتحدة وذيولها في أوربا والعالم العربي ، لقادرة على الإتيان بغيرهم . لكن سأكلف بعضهم لحمل سطول من الماء وسكبها على رؤوسهم . ابانئذ سيظهرون على حقيقتهم  وستتهافتُ أصباغهم ورتوشهم . وسيتمرأى لنا كلّ حيلهم لتغيير أشكالهم بوسائل التجميل ، فهم أمواتٌ في ثياب الأحياء. لكن كيف يغيّرون سيرهم وتواريخم المشحونة بالخزي والخيانة والسرقة . سرقوا قوت الفقير ، جوّعوا الطفل والأم واليتيم والأرملة واجهزوا على الشيخ العاجز . فأين الضمانُ الإجتماعي للعجزة والمرضى والأطفال كما الحال في الدول الغربية . أتحدّى أيّ حاسوب يتعرّف على مقدارما سرقوه من مواطنيهم والمكان الذي أخفوه فيه . كم سرق عبد الناصر من المصريين ، وكم نهب عبد الكريم قاسم ؟ ثمّ كم يملك حكامُنا الحاليون من مليارات الدولارات ؟ أسئلة تصفعنا وتُصيبنا بالذهول والحُمّى والصداع .

قليلاٌ من الروية وتكريس العقل في اختيار الحكام ، عودوا الى سنواتهم الماضية . ولا تخدعنّكم خطاباتُهم العسلية ولا وجوهُهم الشيطانية المزيفة المطلية  بلمسات خبراء التجميل ، لقد خرفوا : عميان لا يرون ، خرفان مُساقون من الخارج ، خونة ٌ لا يُطمأنُ اليهم ، عجائز غشيهم الضعفُ ، ووهن عظمهم وبلغوا من العجز عتيّاً .

…………………………….

حيرتي الثانية  ، هؤلاءالممثلون المكتظون في مسلسلات الدراما العربية المُملة التي تُكرر نفسها في الوجوه والأماكن والطرح والأداء . لاجديدَ فيها ، فكلها توائم ، اخوة في القضايا المطروحة الآن وقبلاً . الديكور فقير مجردُ حائط أوغرفة ، والأداء مسطح ، كما انّ الحوار بلا طعم أو مذاق .عادي في اللغة والطرح . والممثل نفسه في أعماله السابقة . تعالوا شاهدوا معي هذا السيل من الأعمال اللادرامية / مصرية سورية تركية خليجية / تروا سخفها وضحالتها وتكرار ما سبق عرضها في سنوات ماضية ، ولستُ هنا بصدد الكلام على هذا الشلال من الأعمال الهابطة / ما عدا استثناءات تفلتُ من سمة الهبوط / بل أرومُ الحديث عن هذه الوجوه الشائخة المُلطخة بالأصباخ السوداء ، بدءاً من شعر الرأس والحاجبين والرموش وصولاً الى الشارب . فهل سميرغانم ويوسف شعبان وحسن حسني وآخرون سوى دمى كارتونية لا يمتّون أصلاً اليهم . وكذا بعض الممثلات ، فكأنّما يضعن اقنعة على وجوههن . هؤلاء شاخوا وتدنى ابداعُهم ، لكنّهم يُصرّون على أنهم هم أنفسهم قبل عقود . أشكالٌ مخيفة / ولا أقولُ بشعة / لا تناسب أدوارهم . نعم لم يتقاعدوا بعدُ ، لكنّهم يُصرّون على التمسك بدور البطل العاشق . اني احترم عمر الشريف ومحمود ياسين وعبد الرحمن أبو زهرة الذين لم يطرأ عليهم تغييرات صبغية ، احترمُ شوكونري الذي حافظ على وقاره  ، وقبله انطوني كوين اللذين لم يتخلّيا عن شيخوختهما . … في عالمنا العربي اذا لم يُسند دور البطولة لأحد العجايز فسيقلبُ الدنيا ، وقد يقوم هو بانتاج العمل ويفرض نفسه عليه . على المُمثل أن يحترم الحياة ومراحلها العمرية ويحترم نفسه والدور الذي يضطلعُ بتمثيله . أحياناً تنفر نفسي من مشاهدة هؤلاء العجايز واشعر بالخوف من أشكالهم . لقد حظوا باحترام الناس في أعمالهم القديمة . لكنهم الآن يُسيئون الى تأريخم وماضيهم الجميل .

ثمّ تنبري حيرة ُ اخرى تزج بنفسها الى ماذكرتُ . وهي هذه الأشكالُ الجهنمية للمشايخ المُزيّفين بلحاهم الكثة المصبوغة بالحناء تارة وبالكركم تارة ، والذين يجعلون الحق باطلاً والباطل حقاً ويسوقون الى الناس فتاوى خارج ايّ منطق علمي أوديني . لماذا التظاهرات تُحرّمُ في السعودية وتُعدّ خروجاً على اهل النعمة وحلال في امكنة اخرى معززة بالسلاح لقتل الأبرياء ؟؟ . فهل كان الرسولُ/ ص/ والصحابة مثل هؤلاء شكلاً ومنطقاً وخُلقاً وسلوكاً ؟ لقد كانوا يُطبقون المقولة : كنْ جميلاً ،اللهُ يُحبّ الجمال .لكنّ هؤلاء الذين يملؤون شاشات الفضائيات بأشكالهم المرعبة لا يخدمون الاسلام ، بل يُكرّهون الدين الى الناس . الإيمان ليس بالمظهر / اللحية / بل بالتقوى والعقل والعمل الصالح .هو في القلب أينما كنتَ وارتحلت …. وأظنّ أن ثمة قوى غير مرئية تعمل على كره الدين والإساءة اليه . وأغلبُ هؤلاء يُصدّرهم الغربُ بعذ أن عاشوا في دوله ومدائنه وشربوا واكلوا من نعمه وأكملوا تعليمهم في جامعاته . لكنّ ثمة اسلام ٌاعتدالي يُطلّ علينا بين حين آخر من دون تطرّف أو مغالاة فيُبشّر أنّه بخير ، وانّ المسلم يحترم الآخر وإن اختلف معه …والمرءُ يتفاءلُ بالأمل ، وأمّا الزبدُ فيذهبُ جفاءً، وأمّا ما ينفعُ الناسّ فيمكثُ في الأرض .

ختاماً بودّي لو أرى الأشياء َعلى حقيقتها من غير زيف، تغذُّ خُطاها على هدى الفعل العاقل .