في مجمل نصوصها الشعرية نجد أن الشاعرة الأسترالية جوليا وايكفيد تعي مجال حركتها ضمن تسلسلها التعاقبي على مستويات الجملة الشعرية ومفاصلها التي ترتبط تلقائياً بالحس العاطفي للمتلقي ضمن خطابها عبر حكايتها المُقننة وتركيزها لمحتوى النص الواحد أو ضمن المتشابهات التي بها نصوصها الأخرى ،على مستوى شراكة النصوص بعضها مع البعض من جهة أو على مستوى وحدة النص الواحد وحريته ،وكأنها تريد أن تؤكد القدرات التضادية لدى النقائض وأيضا قدرة هذه النقائض على الالتئام مرة أخرى بصميمية الدافع الشعرلةي وتقديره لمديات تحقيق الإفادة من هذه الشراكة أو الإفتراق ،
ولاشك أن طرقها ميسرة للوصول الى ماتود تأكيده من شاعريتها ومن إدراكها لِلُعبة الشعر من خلال إضاءة النص خلف واجهة محورية من بين واجهات عديدة وذات أغراض متباينة مصحوبة بلحظتها المختارة كدلالة لترسيخ زمنية الموقف وظرفية المكان اللذان مهدا الطريق لمخيلة الشاعرة أن تقدم في نصوصها إنموذجا هنا وإنموذجا
محوريا آخر هناك ،ساعدها ذلك أن موجوداتها غير مستحضرة وإنما في غالبيتها موجودات حاضرة أمامها كمشاهد متحركة إن كانت من الجماد أو الأحياء بفعل متحولها الإفتراضي في حالة إحلال البديل ،مما جعلها تتحدث عن مطلقها اللاحسي بدلالة المشهد البصري بدلالة الكشف المتأني للعمق التخيلي ، أي أن عمل مخيلتها هو الرجوع الى الصور الباطنية في المناطق المعتدلة الضوء وليس في المناطق المعتمة ، وبذلك تكون مكوناتها قد نأت عن التغريب من جهة ومن جهة أخرى أوجدت لكياناتها حرية أوسع لتوارد المحسوسات المؤثرة في جسد النص والتي تنسجم مع سردها المنظم والإنسيابي ،ففي نص لها وهو نص مهدى للشاعر العراقي يحيى السماوي وتحت عنوان شارع راندل تقول فيه :
رجلان
يرشفان القهوة
في منتصف الليل
أحدهما يدخن بشراهة
وينظر دائما إلى الأمام
ولا يلتفت للخلف أبدا.
يشير إلى النافذة
وهو يصف طريقة هروبه
ويعد على أصابعه مرتين
سنوات منفاه
ويُشمّر عن ساقه أمام ذراعه
ليؤكد لنا كم هو محظوظ
ويجُر أسنانه الصناعية
وهو كل ما تبقى لديه ليعرضه
على الأنظار
بعد الضرب
ثم يرسم خريطة رحلته
على غطاء المنضدة
ويجفف عينيه
وهو يخبرنا
كيف عاد متأخرا
لينقذ والدته
يشير إلى السماء
إن عناصر هذا النص ظاهرة للوجود وشواهده التوضيحية تتصل بعضها البعض حين تبدأ الجملة الشعرية الإعداد للاحق فالمشاهد هنا ليست هلوسة خالصة ولا مثالية مفرطة وكذلك فأن محفزها التشبيهي إنكفا خلف قدرة العاطفة وتفعيل وظيفتها بما ينسجم وتنقلات النص أو بما ينسجم ورؤية الشيء كــ شيء أو كأوجه لأفكارٍ متداخلة ،ربما يعبر الحوار الداخلي في النص عن المغزى وتستطع الشاعرة قول ماتريد قوله ،وتستطع الإستمتاع بلغتها، لغة خالية من التشويه ، خالية من سيطرة العقل بشكله المطلق ، لغة تمتلك قيمتها الثابتة ضمن أحاسيس ومشاعر تلك اللغة والتي يمكن وصفها بأنها أشبه بالتعويذة السحرية التي تؤمن للمتلقي غيبه الشعري والإرتقاء بإمكانياته الإيحائية :
على الرصيف
يبوح المتسول للهواء كم
هو يؤمن بالله
وفي البريد
تتهيأ لرحلة بحرية
عما قريب.
ستون طابعا أصفر
ووجهان ملكيان بوجهين غاضبين
بمقدار أربعين جنيها
أمُرّ بالمتسول
وأنسى أنني أحمل بعض النقود
لكنه صامت
وفي الممر
وسادتان وكنبة طويلة
وعليها شخص نائم
في الأفق
البحر يعكس غيوما بدينة
تحترق لتمطر
وخارج بيوتهم
الأولاد ينتظرون الآباء
ليعودوا
وفي شجرة المطاط
النحل يرعى الرحيق
كما هو شأنه دائما
وفي الفضاء
الحمامات ترسم دوائر مثالية
وتستدير كفريق واحد
لاحقاً أقود السيارة
وأسرع لأحمل الرسالة الأخيرة
والنقود في جيبي
الحوانيت مغلقة
والغيوم تتقيأ الأمطار
لكن المتسول قد رحل.
إن إدراك النص والتجوال في أفقه والتوقف إزاء مؤثراته يعني قبول علاقاته الداخلية وهيكليته البنائية وإشاراته التي تثير الأفكار والأحاسيس وحركاته المتوازية بين إجزائه ، وهذا ماتفعله الشاعرة جوليا وايكفيد حين تترك بصرها يداعبُ المشاهد المرئية للتوقف فيما بعد عبر مخيلتها الواعية لإلتقاط كلية الأفعال التي تتركها الموجودات على الأرض للتعريف بالفعل النفسي وبالمشتركات الإنسانية وأخصها( الفراق- العزلة – الحرية – الحاجة- الذهول – اليأس …) ولاشك إن وافر الدلالات تلك لدى الشاعرة يدعم وجودها في عالم خارج التقليد ، في عالمٍ لايتم معرفته من خلال معرفة عرضية بل بتعويضه بعالم بديل تفتح فيه الشهية للبكاء وتقزيم نقصه بالمزيد من الأسئلة ،
هامش /جوليا وايكفيد/ شاعرة وتشكيلية من إستراليا