“سرّ من رأى” , ربما تعبير آخر عن ” ….تسر الناظرين” , كما جاء في القرآن الكريم.
وقد طُرِحَتْ عدة تفسيرات لأصلها في بحوث ودراسات , والأرجح أن أحد اللغوين آنذاك أقترح على المعتصم التسمية منطلقا من الآية القرآنية , فوجدها ذات معنى وقيمة وأصل.
البعض يعزو تسميتها إلى سام بن نوح , وآخرون يرون أنها قديمة في حضارات العراق الأولى وكانت تسمى سرماتا , وغيرهم يؤكدون على أنها من سامورائي اليابانية , لأن المعتصم قد إتخذها معسكرا لجنوده , وحسبها موطنا للمقاتلين الأشداء.
وأيا كانت مصادر التسمية , فالدليل الساطع أنها بنيت في ذروة قوة الدولة العباسية , وكرمز لقدرتها وهيبتها , وعزتها ومقامها العالي , فتميزت ببنايات تتكلم بلسان حال الشهامة والإقتدار الحضاري الفائق في أوانه.
فتوافدت إليها العقول الألمعية وتوطنها جهابذة المعارف الإنسانية , وفقهاء العلوم الدينية , وبرز فيها الشعرا الكبار كأبو تمام والبحتري وإبن المعتز.
وأحدثت ثورة عمرانية إنتقلت إلى حواضرها البعيدة والقريبة , وتمثلتها دول الآخرين في أوربا وآسيا.
ولا تزال معالم ثورتها العمرانية قائمة وأبرزها مأذنتها الملوية الشامخة الصامدة.
والكثيرون يرون أن المعتصم قد أصاب الدولة العباسية بمآزق متواصلة عندما جعل جيشها من الأتراك , وذلك لشدتهم وبأسهم وقوة تحملهم , لكنهم إزدادوا قوة وهيمنة على مقدرات الدولة في العاصمة الجديدة , حتى تجرؤوا على قتل المتوكل (232 – 247) هجرية , وبعدها نشبت فوضى سامراء التي تسببت بمتوالية الخراب والدمار لعمرانها , وحتى جامعها الكبير لم يسلم من التخريب والإهمال.
فهل ستحصل فيها يقظة حضارية ومعرفة واسعة بتأريخها ودورها الحضاري , وضرورة إعادتها لتسر الناظرين وتكون قبلة للسائحين؟
أظن أجيالها المعاصرة عليها أن تنهض بدورها وتعبر عن حقيقة المدينة وجوهرها الإنساني , وما قدمته للبشرية , شأنها شأن الحواضر العراقية التي إنطلقت منها ينابيع المعارف الأصيلة فأوصلت البشرية إلى مصاف التحضر والرقاء.
“ألا سُرّتْ كما شاءَتْ خُطاها…مَدينة أمَّةٍ أحْيتْ صِباها”