خارطةُ التحالفاتِ السياسيةِ العراقيةِ الكبيرةِ ، يُعاد َرسُمها من جديدٍ بحيثُ تِلاؤمُ متطلباتِ المرحلةِ القادمةِ . لعلَ مُحاولةَ كسبَ الشارعِ بمختلفِ ألوانهِ مَسعى يراودُ اغلبَ الكتلِ السياسيةِ من خلالِ التخلصِ من بعضِ سلبياتِ المرحلةِ السابقةِ التي جَعلتْ اغلبَ الجهاتِ السياسيةِ تتخندقُ في اُطرٍ مذهبيةٍ و قوميةٍ ؛ والعملُ على تكونَ هناكَ نسبةٌ متوازنةٌ لكلِ مكوناتِ الشعبِ العراقي في إدارة الدولة وصُنع القرارِ .
عزز الموقف الأمريكي بعد 2003 في أنتاج حكومات مكونات ليست كفاءات ؛ والغريب في الأمر أن الساسة العراقيين استمروا على النهج الأمريكي السابق لدرجة أصبح من الثوابت والمسلمات التي لا يمكن التنازل عنها : رئاسة الجمهورية للأكراد والبرلمان للسنة العرب ورئاسة الوزراء للشيعة .
رغم تصريحات اغلب النخب السياسية في مقتهم لمبدأ “المحاصصة” ،ولكنهم يدركون جداً أن جمهورهم لا يصوت إلا من ينتمي إليه قومياً أو مذهبياً . السيد عمار الحكيم بتأسيسه لـ”تيار الحكمة الوطني” حاول أن يبتعد عن النهج القديم في تشكيل تيار جامع لكل مكونات الشعب العراقي كخطوة أولى للتخلص من بعض سلبيات المرحلة السابقة . ولعل تصريحات الحكيم كانت تمهد لمثل هذا المشروع من خلال العمل على تأسيس قوى مؤثرة خارج تركيبة المجلس الأعلى الإسلامي ؛ فكان تنظيمات ” فرسان الأمل ” وزج شباب الداخل في تولي المراكز القيادية .
هذا التحول المدروس من جانب الحكيم ،أُعلن قبل أوانه لأسباب داخلية وخارجية. نلمس فيه رضا عربي أمريكي للحد من النفوذ الإيراني في صناعة المشهد الشيعي العراقي خصوصاً أن المجلس الأعلى الإسلامي هو نتاج رؤية إيرانية في توحيد قوى المعارضة العراقية ضد نظام صدام البائد . من جانب آخر انسلاخ الحكيم هو سليل عائلة دينية معروفة بعطائها العلمي والجهادي ، من البيت الشيعي يثير قلق إيران التي ترى بضرورة وحدة القوى الشيعية الكبيرة ضد تحديات الإرهاب الداخلي والخارجي. ولعل توجه بعض قيادات المجلس الأعلى المخضرمة إلى إيران وعرض الموضوع على المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي ؛نلمس فيه عدم وجود مباركة وقلق من خطوة الحكيم . وقد تشارك مرجعية نجف الأشرف القلق الإيراني رغم النأي بنفسها للتدخل في العمل السياسي ،ولكن يبدو أن من خلال من يشاع في الشارع النجفي هناك تحفظ على الوليد الجديد. يضاف إلى ما سبق فان استعاضة مفردة ” الإسلامي” بـ” الوطني ” تحول في سياسة عمار الحكيم من النهج الإسلام السياسي إلى المدنية الجديدة التي ربما لا تلقى ترحيباً في الشارع الشيعي العراقي .