23 ديسمبر، 2024 10:12 ص

تيار الحكمة الوطني وليد عمره مائة عام

تيار الحكمة الوطني وليد عمره مائة عام

مخاضٌ عسير في ليالٍ ظلماء, تكهّن فيها كُهّان السياسة, في حساباتهم الفلكية, لحركة مواقع نجوم الأحزاب, ومساكن القمر في ابراج السياسة، فمنهم من أصاب ومنهم من أخطأ, فهناك من تحدث بموضوعية ونتائج واقعية مدروسة, دراسة عميقة للمستقبل، ومنهم من تحدث عن كره وأحقاد ملئت قلبه، وهو ينتظر الساعة التي يتهلل بها وجهه فرحاً وشماتة، الا إن الحكمة غلبت, والفرحةُ سادت, ووجوهٌ إبتهجت وأخرى حزنت، عند إعلان ولادة تيار الحكمة الوطني.

كان الإهتمام كبير جداً، من قبل الأوساط السياسية، والشارع العراقي بكل مكوناته وأطيافة, حول ما يدور من حراك داخل المجلس الأعلى الإسلامي، ناهيك عن المهتمين بالشأن العراقي, في الداخل والخارج, إضافةً الى الصحف والقنوات الإخبارية الدولية والمحلية كافة، المتطلعة لساعة الصفر، فكتب الكثير وتنبأ العديد وتكهن الخبراء والمحللين، عن مستقبل المجلس الأعلى، وما ستأول اليه الأمور في القادم، وإعتقد البعض إن ذلك الإهتمام مبالغاً فيه، إلا إن الواقع يتحدث عن العكس، فهذا الإهتمام يوحي عن الثقل الحقيقي لذلك التيار, والمساحة الواسعة التي يشغلها داخل الوسط السياسي.

البعض تفاجئ بما اعلنه (الحكيم)، والبعض الآخر صدقت نبؤته، وخرج (الحكيم) تاركاً خلفه الكثير، من الزرع الذي حصده في الفترة السابقة من العمل السياسي المتواصل، وحركته الدؤوبة بين الداخل والخارج، واللقاءات المستمرة مع الشخصيات السياسية، الوافدة عليه من كل الأطياف, قادة وساسة, من الداخل والخارج، الذين يتخذون من مكتب (الحكيم) محطتهم الأولى، التي ينطلقون منها الى باقي المستويات الحكومية والسياسية.

إن المتابع عن كثب للفترة السابقة، للمحور الذي يتحرك فيه (الحكيم)، يجده وحيداً في ذلك الحراك، من دون مساعدة ودعم من قبل الآخرين، ونقصد بذلك “الخط الأول من قادة المجلس الأعلى”، فمنهم من اعلن اعتزاله العمل السياسي, وآخر اتخذ من مكتبه داراً للإستراحة وتأليف الكتب وكتابة المقالات، ومحطاً لبعض اللقاءات البدائية، وكأنه سياسي مبتدأ يروج لمشروع حزبي جديد, وآخر اخذ يُنظّر لمسألة عقائدية مذهبية, والبعض اخرسه الزمن ومواقع السوشل ميديا, وتناسوا انهم أصحاب تاريخ سياسي وجهادي عريق، كُتِب بدماء طاهرة أُريقت على مذابح الحرية، وأخذوا يعارضون كل ما يصدر منه، بدعوى التفرد بالقرار الداخلي والخارجي، وإحتجاجهم بأن هناك من يحاول ازاحتهم وأخذ مكانهم وإستبدال أصواتهم بأصوات الشباب، وهذا ما يقف عنده الكثير، فقرارات الإستقالة التي قدمها الوزراء كانت قرارات فردية ، حسب تصريحاتهم التي اطلقوها على الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب، وهذا ما يدل على تفردهم بالقرار، الذي يعني الجميع، لأن المناصب التي توَلوها لم تكن هبةً لهم، وإنما إستحقاقات كتلتهم، التي يعود امرها للجميع.

فذهب مجموعة من الحرس القديم الى إيران، وهذا معلوم للجميع، محاولة للضغط على الحكيم، لإعتقادهم أنها صاحبة الفضل عليهم، متناسين أن الفضل الأول هو للنجف الأشرف، عندما احتضنت مفجر الثورة الإسلامية (السيد الخميني)، ودعمته بكل قوة خلال ثورته المعلومة، وحينها رد (السيد محمد باقر الحكيم)، حيث قال “إيران ردت الجميل” اي لم تكن صاحبة الفضل، مع هذا فالحكيم اثنى على إيران وشكر مواقفها الإيجابية مع العراق، بعد إن عاد من سفره الى النجف الأشرف، وإطلاع المرجعية عن كثب عن ما يجري، فعاد الحكيم بقوته وثقته المعهودة ليطلق مشروعه الجديد، (تيار الحكمة الوطني).

الحكيم يدرك جيداً متطلبات المرحلة القادمة، وما تحتاجه الساحة السياسية من مشاريع هادفة، وسط رفض واسع للمرحلة السابقة، وإبتعاد الشارع عن الأحزاب الإسلامية، بسبب الإتهامات الموجهه ضدها، والخروج من التخندقات الطائفية والمذهبية والقومية، والإنفتاح على الجميع، فشرع بتأسيس تيار وسطي, يقوم على اساس المواطنة والكفائة, يمزج بين الإسلاميين واللبراليين, بين الشباب والشيوخ, بين اصحاب الخبرة والشباب المتحمس للعمل والبناء، والإنفتاح على الجميع, وإحتضان الكفاءآت المتحمسة, والجمع بين الأصالة والتجديد، فإمتزج تياره بألوان وأطياف متنوعة, مذهبية وفكرية، فالسياسة متغيرة بمتغيرات المرحلة.

الحكيم لم يكن منهجه بعيداً عن المسارات التاريخية، التي تحمل في طياتها إرثه الديني والسياسي، الذي يمتد لمائة عام، والخطوط العريضة التي رسموها شهداء آل الحكيم، فأخذ يطبقها وفق آليات جديدة, ومناهج حديثة, حسب متطلبات المرحلة القادمة، فهو لم يتخلى عن اسلامه من اجل مكاسب سياسية، لكن لكل مرحلة متطلباتها، بهذه الطريقة تحتسب الأولويات والنائج.

الحكيم يتميز بالوسطية والإعتدال، وهذا ما يجعله مختلفاً عن الكثير من السياسيين، فتجد له مقبولية واسعة عند الاعم الأغلب، فالمزج بين الأسلام والمدنية ليس مثلبة، فالامام علي عليه السلام كان مثالاً رائعاً لهذاالتوجه، عندما اوصى (مالك الأشتر) قبل أن يبعثه لتولى مصر، حيث قال له من جملة وصاياه “الناس صنفان إما اخاً لك في الديّن أو نظيراً لك” فلا توجد في العالم نظرية تدعو للمدنية، أكثر مصداقاً من تلك التي وضع معالمها الامام علي عليه السلام، فحرياً للحكيم ان يقتدي بها، ويضعها منهاجاً لمسيرته القادمة.