كان للتيار الصدري حضور بارز، بل عد شريكاً ولاعباً أساسياً في جميع الحكومات التي تعاقبت بعد سقوط النظام الدكتاتوري، وكان أحد وأبرز التيارات التي وضعها صدام حسين ضمن لائحة التهميش والاضطهاد والملاحقة لقادته وأتباعه، وقدم الكثير من الشهداء الذين أقدمت الأجهزة القمعية على تنظيم حملة اغتيالات منظمة، بدءاً من الزعيم الأول للتيار السيد محمد محمد صادق الصدر ونجليه، مروراً بقادته وأتباعه في عموم محافظات ومناطق العراق، ثم أن للتيار دوره الإصلاحي الحقيقي بعد سنة 2003، من خلال الفعاليات الاجتماعية والثقافية والدينية، حتى دخل المعترك السياسي منذ لحظة انطلاق أول شرارة للعمل السياسي، وعد متصدياً أساسياً لهموم الشعب بمختلف مكوناته وشرائحه دون تفريق.
وتشكلت كل الحكومات العراقية ما بعد سنة 2003، بحضور وشراكة أساسية من قبل التيار الصدري، بل كان بيضة القبان لتشكيل جميع هذه الحكومات، لقاعدته الشعبية والجماهيرية الواسعة، التي فرضت حضورها داخل الساحة السياسية، وأسهمت في تحقيق التوازن الحقيقي داخل الحكومة ومجلس النواب، وبدأ التيار يكبر شيئاً فشيئاً شعبياً وسياسياً، حتى تسلم العديد من المناصب التنفيذية، إضافة إلى المهام التشريعية التي تصدى لها بكل مهنية.
ومن هنا، أخذ الفرقاء السياسيون الوسائل المختلفة لمحاربة التيار ومسعاه الجدي للإصلاح الحقيقي بعد الفوضى السياسية، وتوجه زعيمه مقتدى الصدر، للوقوف ضد كل عمليات الفساد الإداري والمالي التي طالت جميع مؤسسات الدولة، عبر الطرق القانونية والتشريعية رسمياً، وإطلاق ثورات وتظاهرات مليونية شعبية عمت أرجاء العراق، ومن أبرز الاتهامات التي طالت التيار وزعيمه، التفرد بالقرارات التنفيذية التي تصدت لها النخب الصدرية، ولم يترك لهم الصدر أدنى فرصة، فاتخذ أول خطوة حقيقية نحو الإصلاح وإثبات جدية التيار في محاربة المحاصصات الطائفية، فأمر بسحب وزراء التيار الستة وقدموا استقالاتهم، ثم تلتها الدورة الثانية للمالكي ولم يتغير الأداء الحكومي المتدني، بل تضاعفت عمليات الفساد في تصدر المشهد السياسي، الذي أدى إلى استياء شعبي واسع من قبل أتباع التيار الصدري بخاصة، وغالبية الشعب العراقي بعامة.
وما اتهامات التيار الصدري بالاستحواذ على الوزارات المهمة، كـ (الصحة والكهرباء والبنك المركزي) إلا استمراراً لنهج العداء للتيار الصدري، بعد نيله أصواتاً أتاحت له الحصول على (34) مقعداً في مجلس النواب بدورته الأخيرة، وهذا العدد منح تيار الأحرار، فرصة إضافية للوقوف ضد كل القوانين التي لا تتماشى مع سياسات التيار وما يبتغيه الشعب العراقي بصورة عامة، وأدى الأعضاء دوراً كبيراً في تشريع القوانين المهمة التي لها تماس مباشر مع المواطن العراقي، فضلاً عن دور النائب الأول لرئيس مجلس النواب حسن الكعبي، الذي كان يتخذ قرارات شجاعة، والوقوف أمام كل محاولات الكتل السياسية التي تنجر وراء المكاسب الشخصية للأحزاب.
وفيما يخص الدور التنفيذي للتيار، فقد وقع الاختيار على حميد الغزي من قبل رئيس مجلس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، لمنصب الأمين العام لمجلس الوزراء، الذي ملأ المنصب بكل مهنية، وعمل على تحقيق توازن حقيقي مع جميل الفرقاء السياسيين من الوزراء وأصحاب المناصب الخاصة، على اعتبار أن الأمانة العامة لمجلس الوزراء، هي المؤسسة التنفيذية للحكومة العراقية، بكل وزاراتها ومؤسساتها ومحافظاتها، وتعمل مع الجميع بكل مهنية، وأسهم في حل الكثير من المشاكل العالقة بين تلك المؤسسات، وبعد استقالة عبد المهدي وتسنم مصطفى الكاظمي للحكومة الحالية، جدد الكاظمي الثقة بالغزي، الذي واصل عملية التنسيق مع جميع المؤسسات الرسمية، لتنفيذ المهام المتعلقة بالبرنامج الوزاري، والدول الأهم الذي قام به، متابعة وتحريك وتنفيذالعديد من المشاريع المتوقفة والمتلكئة منذ سنوات في عموم المحافظات.
وعلى مستوى المشاكل الداخلية للوضع العام في العراق، فقد لعب الصدر، دوراً مهماً في حلحلة جميع المشاكل العالقة فقد وقف بقوة إلى جانب الشعب العراقي، وطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية وتغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية والحزبية، وطالب أكثر من مرة بحصر السلاح المنفلت بيد الدولة، وإيقاف عمليات استهداف السفارات والبعثات الدبلوماسية العربية والأجنبية وضرورة أخذ الدولة على عاتقها، تقديم الحماية اللازمة للدبلوماسيين العرب والأجانب.
وشهدت مواقف الصدر الداعمة لإقامة العلاقات مع الدول العربية، فقد كانت واضحة وصريحة من خلال بياناته وتغريداته وتواصله مع الزعماء والقادة العرب بصورة مستمرة، ولم تقف عند حد معين، وحث الجميع على تجاوز الخلافات، من أجل مصلحة العراق حكومة وشعباً.
وأعلن الصدر مؤخراً، انسحابه من الانتخابات النيابية المقرر إقامتها في العار من شهر تشرين الأول للسنة الحالية، بعد أن أخذت الكتل السياسية والحزبية، استمرارها على نهجها السابق، وعدم الاكتراث إلى مطالب الشعب الإصلاحية، الأمر الذي جعل الفرقاء السياسيين إلى توجيه دعوات للعدول عن الانسحاب، كون أن التيار شريك أساي وفاعل في العملية السياسية، وأنه يمتلك قاعدة شعبية مليونية أغلبية في العراق، وأن الوضع السياسي القادم سيفتقد عموداً أساسياً ترتكز عليه العملية السياسية في العراق.