كتبت كثيرا عن تونس منذ أيام عربة “البوعزيزي” , وتواصلت معها في مواجهاتها وتحدياتها ومنعطفات مسيرتها المنيرة الراسخة المتمسكة بثوابت وطنية وقيمية وأخلاقية , وسلوكيات متقدمة كثيرا عما يحصل في بقية بلدان العرب.
وقد كتبتُ قبل سنوات مقالا بعنوان “أخشى على تونس” , ولم يكن ذلك المقال من وحي التوجسات والمخاوف الإعتباطية , وإنما مبنيا على مرتكزات ومعادلات ومنطلقات فاعلة في الواقع العربي , وساعية إلى إجهاض التطلعات وسحق الأمنيات , ومنع العرب من تنفس هواء الحرية وعبير الرجاء.
وكانت تونس هي الدولة الوحيدة التي قادت النهوض العربي المعاصر , وتمكنت من الإبحار في تياره برباطة جأش وقدرة على الحفاظ على الكيان الوطني الجامع , بعيدا عن الإنجراف وراء تداعيات التشظي والتطرف والتحزب والفئويات , وبرغم ما عانته لكنها نجحت بمهارة عربية متميزة الصمود أمام الأعاصير والزلازل والتوسنوميات المتوالية.
وقدمت تونس مثالا ناصعا لمعنى الحرية والديمقراطية والتفاعل الحضاري المعاصر مع السلطة , فهي الدولة العربية الوحيدة التي يمكن القول عنها بأنها ديمقراطية بحق وصدق , بالمقارنة مع الدول العربية الأخرى.
وبسبب هذا التعبير العروبي الديمقراطي المتقدم على أقرانها , فأن تونس تبدو وكأنها تغرد خارج السر , أو أنها نجت من كمّاشة الفتك بالعرب , مما جعل القوى التي رسمت وخططت لإنهاك العرب وتبديد طاقاتهم بإشغالهم ببعضهم , أن تواصل إستهدافها لأيقونة العرب ووإرادتهم المعبرة عن قدرتهم على الحياة بحرية وكرامة وإنطلاق إنساني جميل.
ووفقا لذلك يمكن تفسير ما يصيب تونس من هجمات وإنفجارت بين فينة وأخرى , وكلها تهدف إلى إشاعة ثقافة الرعب والخوف وفقدان الأمان , لكي يتسنى للقوى الطامع بالخراب والدمار أن تنفث سمومها وإشاعاتها وتؤجج العواطف والإنفعالات لتصرع الشعب التونسي , وكأنها تحسبه كغيره من مجتمعات الدول العربية , التي أردتها صريعة على حلبات التصارع الداخلي بمسمياته المقيتة المخزية.
لكن تونس فيها شعب تربى على الوطنية الصادقة الصالحة للحياة والقوة والتقدم , ولن تنال منها صولات الذين يحلمون بالخراب , ورغم خشيتي على تونس لن تهدأ , لكن الأمل كبير وعظيم , بأن الشعب التونسي لقادر على أن يتلاحم ويعتصم بالإرادة الوطنية , ويهزم الغربان التي جاءت لتزعج الطيور المتهادية في سماء الربوع التونسية الخضراء.
تحية للشعب التونسي , الذي يلتف حول راية وطنٍ جميل!!