23 ديسمبر، 2024 5:16 ص

تولستوي الاول والثاني والثالث في الادب الروسي

تولستوي الاول والثاني والثالث في الادب الروسي

هذا موضوع طريف وغريب في آن واحد , و يرتبط بالادب الروسي بالذات , فلا توجد هذه الظاهرة مثلا في الادب العربي بتاتا , اذ لا يمكن عندنا تكرار اسم واحد لكاتبين اثنين, وفي الادآب الاخرى يجري عادة الحاق كلمة اخرى بالاسم في حالة تشابهه مع اسم آخر من اجل تمييّز الاسمين , فيقولون فلان الابن , مثلا الكسندر دوما الاب والكسندر دوما الابن ( في الادب الفرنسي ) , اما في الادب الروسي , فان اللقب يبقى نفسه ويتكرر , والتمييز بينهم – بالنسبة للروس – يرتبط باسم الكاتب واسم ابيه فقط , وهي قاعدة ثابتة باللغة الروسية لا يمكن تغييرها ابدا, ويتقبلها الانسان الروسي – بشكل او بآخر – على انها أمر طبيعي جدا , فيقولون مثلا – فلان فلانوفيتش للمذكر وفلانه فلانوفنا للمؤنث ( اي الاسم واسم الاب معا حسب قواعد المذكر والمؤنث ) , اذ انهم ينادون بعضهم البعض هكذا حتى في مسيرة حياتهم اليومية الاعتيادية , و هي واحدة من مشاكل الاجانب المعقّدة , الذين يتعاملون مع الروس باللغة الروسية في داخل روسيا او خارجها, ويا طالما وقعنا – نحن الاجانب – باحراجات شديدة ومطبّات محرجة جدا بسبب ذلك التخاطب المركب (ان صحّت هذه التسمية لغويا طبعا) بين الروس.
مقالتنا تتناول لقب (تولستوي) مثلا على هذه الظاهرة في الادب الروسي . تولستوي الذي يعرفه القارئ العربي جيدا هو ليف نيقولايفتش تولستوي (1828 – 1910) , وهو عملاق الادب الروسي والعالمي ايضا , ويرتبط اسمه حتى بالعديد من الآداب القومية في العالم ومسيرتها , بما فيها طبعا الادب العربي , وهو مؤلف الرواية العظمى ( الحرب والسلم) وبقية النتاجات المعروفة عالميا , وتقع مؤلفاته الكاملة باللغة الروسية في تسعين مجلدا . هذا ال ( تولستوي) هو الثاني ( وليس الاول) في تاريخ الادب الروسي حسب التسلسل الزمني , ولا نجد ضرورة التوقف عنده هنا , والتحدّث عن خصائص ابداعه ( انظر مقالاتنا العديدة عنه , ومنها – تولستوي والتولستوية / تولستوي فيلسوفا / تولستوي بقلم الاديب الفرنسي اندريه مورا / تولستوي وغاندي / تولستوي وتشيخوف / تولستوي يرفض حقوق التأليف .. وغيرها) , اما تولستوي الثالث حسب هذا التسلسل فهو أليكسي نيقولايفتش تولستوي ( 1883 – 1945 ) , والذي يمكن ان نطلق عليه التسمية العربية الجميلة – ( الكاتب المخضرم ) , اذ انه عاش في الامبراطورية الروسية واصبح كاتبا فيها , وهاجر من روسيا بعد انتصار ثورة اكتوبر 1917 احتجاجا ضد الثورة مثل معظم المثقفين الروس آنذاك, ولكنه سرعان ما اختلف معهم و اصطدم بهم في المهجربسبب العلاقة العضوية المتشابكة ( بين مفهوم الوطن وبين مفهوم النظام السائد فيه ), وهي مسألة ابدية و دائمية امام المهاجرين كافة , وهكذا عاد تولستوي الى الاتحاد السوفيتي واصبح واحدا من ابرز الادباء فيه , بل انه شغل تقريبا الموقع الاول بين الادباء في الاتحاد السوفيتي بعد وفاة غوركي عام 1936 , وحاز على العديد من الجوائز الادبية , منها جائزة ستالين ثلاث مرات (اكبر واعلى جائزة ادبية في الاتحاد السوفيتي آنذاك ) . اشتهر تولستوي الثالث بروايات الخيال العلمي والروايات التاريخية وادب الاطفال والحكايات الشعبية والمسرحيات , وترجم الكاتب العراقي الكبير غائب طعمة فرمان اهم رواية تاريخية له ( وهي ثلاثية ) بعنوان – ( درب الالام) , وكانت روايتة الاخرى – ( بطرس الاول) آخر عمل ترجمي كامل تقريبا لفرمان , ولكن رحيل غائب ادى الى عدم نشر الرواية في حينها , ولم تنشر لحد الان مع الاسف , رغم المحاولات التي قام بها اصدقاء غائب بشأن نشرها ( انظر مقالتنا بعنوان – مع عبد الله حبه في موسكو ) . ان تولستوي الثالث هو اسم كبير في تاريخ الادب الروسي الحديث , ويمكن القول انه معروف بشكل جيد للقارئ العربي , الا ان هذا القارئ لا زال بحاجة الى التعمق في معرفته والتوسع في دراسة جوانب شبه مجهولة في ابداعه مثل مسرحه او موقعه في مسيرة ادب الاطفال ودوره المتميّز فيه, اذ ان تولستوي الثالث هذا شخصية ادبية متعددة المواهب جدا, ولا مجال للتوقف عندها في اطار هذه المقالة, اذ اننا نود ان نتناول هنا ايضا كاتب آخر يحمل نفس هذا اللقب ( تولستوي ) , وهو تولستوي الاول حسب التسلسل الزمني في تاريخ الادب الروسي , والذي يعد شبه مجهول تقريبا للقارئ العربي مع الاسف , اذ اننا لم نجد له اعمالا ابداعية مترجمة الى العربية , وحتى لو وجدت , فانها لا ترسم للقارئ العربي صورة متكاملة له ولاهميته وقيمته في مسيرة الادب الروسي وتاريخه .
تولستوي الاول هذا اسمه – اليكسي قنستونتينوفيتش تولستوي ( 1817 – 1875 ) , وهو روائي و شاعر وكاتب مسرحي و مترجم , وابتدأ بالنشر باللغة الفرنسية اولا , ثم بالروسية بعدئذ , وظهرت له في بداية اربعينات القرن التاسع عشر رواية قصيرة انتبه اليها حتى الناقد الادبي الروسي الشهير بيلينسكي , والذي رأى فيها ( ..علامات موهبة رائعة رغم ان كاتبها لا زال في ريعان شبابه ..) , وهكذا بدأت نتاجاته بالظهور تباعا , واصبح واحدا من الكتّاب المسرحيين , الذين تعرض مسرحياتهم على خشبة المسارح في روسيا, وشاعرا معروفا بقصائده الرقيقة , ومترجما قدّم للمكتبة الروسية قصائد غوته وبايرون وبقية أعلام الشعر الاوربي , ولازالت نتاجاته الابداعية تتفاعل مع الحياة الروسية لحد اليوم ..