في خضّم الأحداث المجنونة التي يعشها البلد, نفاجأ “بمكرمة”, قادرة على شمول الكثير من القطاعات الشعبية, حيث زيادة “رواتب” الموظفين وتوزيع قطع الأراضي..لا شك أنها من واجبات الدولة تجاه الشعب, وتعد من الحقوق المكفولة دستورياً, أبتداءاً من حق السكن وليس أنتهاءاً بتوفير سبل العيش الملائم للجميع, بيد أن تصديرها للرأي العام على شكل “مكرمة” أو أنجاز هو ما نقف عنده متسائلين عن الأسس التي يتعامل بها نظامنا السياسي وسر تقاطعه مع أنظمة العالم المتحضّر؟
سياسة المكارم لا يمكنها الأنسجام مع روح النظام العراقي الجديد, ولعلها تمثل فرملة لعجلة الديمقراطية التي أمامها أشواطاً كبيرة لم تقطعها بعد..أعلان الزيادات وتوزيع قطع الأراضي بهذه الطريقة وبهذا التوقيت يعد أمر مريب يضاف إلى الدلالات الكثيرة العاكسة لطريقة “حزب السلطة” في الحكم. “مأسسة” الدولة تسهم بشكل كبير في ترسيخ التجربة الفتية, ولعل الديمقراطية ودولة المؤسسات هما صنوان من شأنهما بناء البلد الناجح والمتطّور في كافة مجالات الحياة.
إن حق السكن ومقدار دخل الفرد الشهري أو السنوي, يعد من أبرز الواجبات التي تقوم بها أي دولة ناجحة أستطاعت عبور مراحل الفوضى الأدارية والسياسية, سيما إذا تبنّت النظام الديمقراطي, وإلا ما هي القيمة الحقيقية من ممارسة الشعب للأقتراع إن لم توفر لهم الحقوق؟! من المسلّمات تنظيم تلك الأمور بشكل مخطط ومدروس, إما السير بهذه الوتيرة العشوائية فيدخل ضمن حسابات أخرى أبرزها “الكسب السياسي”.
أنهارت الحكومة الباقية تحت مطرقة الأزمات بمحض أختيارها, الأمر الذي ولّد فراغاً سياسياً وأمنياً وهوة كبيرة بين الحكومة نفسها, فضلاً عن باقي المؤسسات, حتى كاد أن يصل الأنهيار للدولة برمتها..الإرهاب يجوب المدن ويضرب متى يشاء, الكهرباء وغيرها من متعلقات الأنسان وهمومه غائبة, الشيء الوحيد الحاضر أنتخابات البرلمان المقبلة, ودولة الرئيس يطمح بولاية ثالثة, بيد أنه يفتقر لآليات التنافس مع الآخرين, سيما مؤشرات نتائج الأنتخابات السابقة محبطة وتطرح واقع جديد..المادة الأنتخابية “لدولة القانون” ستكون زيادات مالية وقطع أراضي كعطاء سخي من الرئيس. (ومن لحم ثورة وأطعمه)!