بعد انتظار طويل وغياب كامل لموازنة 2014, فقد انهى مجلس النواب القراءة الاولى لمشروع قانون الموازنة الاتحادية لعام 2015 خلال جلسة استثنائية عقدت الخميس الماضي وتم تأجيل القراءة الثانية ليوم 7 / 1/ 2015 , والموازنة التي احيلت من مجلس الوزراء حملت العديد من التساؤلات حيث تضمنت محتوياتها العديد من الامور التي من شأنها إثارة الجدل والمناقشات الحادة اثناء القراءة الثانية في مجلس النواب , ومن المتوقع ان يستغرق تمرير الموازنة جهدا كبيرا ووقتا طويلا قد يتخلله استضافة وزيري المالية والتخطيط , رغم ان المكون الكردي الحاضر في مجلس النواب ( الذي كان غالبا ما يكون الرقم الصعب في تمرير موازنات السنوات السابقة ) سيكون من أكثر الاطراف سعيا لعدم اطالة لمناقشات وتسهيل التصويت على الموازنة , ورغم حرص العديد لإصدار الموازنة بوقت مبكر من تاريخ نفاذها من 1/ 1 / 2015 , الا انه من الضروري التثبت من محتوياتها بشكل يجعلها الاقرب الى الواقع ويبعد عنها المفاجآت قبل اخراجها للتطبيق .
وبموجب ارقام مشروع قانون الموازنة , فان اجمالي النفقات هو 125,2 تريليون دينار منها 80 تريليون للجانب التشغيلي و45,2 تريليون للجانب الاستثماري , ويبلغ اجمالي ايرادات الموازنة 99,8 تريليون دينار منها 84 تريليون دينار من ايرادات النفط و 15 تريليون دينار من الايردات غير النفطية , وقد تم احتساب الايرادات النفطية على اساس معدل تصدير يومي مقداره 3,3 مليون برميل وبسعر 60 دولار للبرميل الواحد , وهي تقديرات متفائلة الى حد كبير من حيث الكميات المصدرة او من حيث الاسعار , فمعدلات التصدير لم تصل الى ( 2,5 ) مليون برميل يوميا ( كمعدل ) خلال السنوات السابقة , فقد كانت بمعدل 2,16 مليون برميل يوميا لسنة 2011 و2,12 مليون برميل لسنة 2012 و2,39 مليون برميل لسنة 2013 و 2,47 مليون برميل لسنة 2014, وقد تكون ارقام التصدير قد وضعت استنادا الى الاتفاق الاخير بين الحكومة الاتحادية والإقليم , وهو اتفاق اولي وليس نهائي كما ان هناك متغير مهم وهو ان مبيعات النفط في الاسواق العالمية تتأثر بآليات العرض والطلب .
واعتماد سعر 60 دولار للبرميل , امرا غير واقعي لأنه لا يتحقق إلا عندما يكون سعر نفط برنت 70 دولار في الاسواق العالمية , باعتبار ان النفط العراقي يباع بأقل قرابة العشرة دولارات عن نفوط الدول الاخرى , حيث ان ( سومو ) تتبع اسلوب البيع بأسعار تشجيعية للمشترين تقل بمقدار 3 دولارات للبرميل عن الاسعار السائدة ويتم خصم 40 سنت عن فارق كل درجة في الكثافة مما يعني خصم 2,8 دولار عن كل برميل لان نفطنا يقل بمقدار 7 درجات من نفط برنت ( الخفيف ) , كما يتم خصم اقل من نصف دولار عن كمية الماء التي ترافق النفط عن كل برميل , فضلا عن خصومات تتعلق عن بدلات تأخير التحميل في الموانئ وتكاليف المخاطرة التي تتقاضاها شركات التامين , ومن الناحية العملية فان هناك زيادة في التفاؤل المتعلقة بالأسعار تبلغ قيمتها بحدود 20 مليار دولار , ناهيك عن التفاؤل في تحديد الكميات المصدرة والتي قدرت ب 3¸3 مليون برميل يوميا حيث ان افضل الاحتمالات تضعها بمعدل 3 ملايين برميل يوميا .
والتقديرات الخاصة بالتصدير بنيت على اساس استمرار التصدير على مدار السنة ( 365 ) يوم , وهو قد يكون غير ممكن من الناحية العملية آخذين بنظر الاعتبار الظروف الجوية والأمنية وغيرها من الظروف التي يجب ان تعطي نسبة حتى وان كانت 2 – 5% للطوارئ على سبيل المثال , وبضوء الايرادات والنفقات التي وردت في مشروع قانون الموازنة ( عدا ما تم ذكره من تحفظات ) , فان العجز المخطط سيكون بمقدار 25,4 تريليون دينار وتتم تغطيته من الادخار الوطني ( 2 تريليون ) والأرصدة المدورة (3 تريليون ) وحقوق السحب ( 2 تريليون ) وسندات خارجية (6 تريليون ) وسندات الدين العام عن طريق الاحتياطي القانوني للمصارف ( 6 تريليون ) وقروض وحوالات خزينة من ال TPI( 3 تريليون ) وحوالات الخزينة من المصارف الحكومية ( 3 تريليون ) .
وقد خول مشروع قانون الموازنة , وزير المالية للاقتراض لغرض سد العجز بقيمة ( 4,5 ) مليار دولار من صندوق النقد الدولي و2 مليار دولار من البنك الدولي و1,8 مليار دولار من حق السحب الخاص SDR ونصف مليار من البنك الاسلامي للتنمية و12 مليار دولار كحوالات خزينة لدفع مستحقات الشركات النفطية العاملة في العراق ( وكان من المفترض ان تكون هذه المستحقات ضمن النفقات إلا انها استبعدت لكي لا يتضخم رقم العجز ) , ويلاحظ ان مقدار الاقتراض الحكومي سيكون بحدود 40 مليار دولار ( وليس 23 تريليون دينار ) وهي ارقام لم تظهر في الجداول المرافقة للموازنة ولكنها موجودة ضمن مواد مشروع القانون ولا يمكن فهمها إلا من قبل المتخصصين والمتابعين , لان العجز الذي قدر 25,4 تريليون ويتم سد 2 تريليون منه بالادخار الوطني والباقي من الاقتراض الداخلي وتم تخويل وزير المالية بالاقتراض بمبلغ 20,8 مليار دولار من الداخل والخارج .
وقد خولت المادة 25 من مشروع قانون الموازنة مجلس الوزراء بالدفع بالآجل بمبلغ 5 مليارات دولار , وهو ما يعني بان موازنة 2015 ستكون مثقلة بالديون الداخلية والخارجية , وفي حالة عدم تحقق مبيعات يومية بمعدل 3,3 مليون برميل وبسعر 60 دولار للبرميل فان العجز سيحتاج الى مبالغ اكثر من المدرجة في الموازنة , ومن الناحية المالية فان تمويل العجز من خلال الاعتماد على السندات والقروض وحوالات الخزينة من المصارف الحكومية واحتياطياتها القانونية , ربما يثير بعض المخاوف للبعض لأنه قد يعرض بعض المصارف الحكومية العراقية الى العسرة المالية في حالة الاقبال على السحب من قبل المودعين خلال السنة المالية , اذ ان ذلك ربما يجعل المصارف الحكومية غير قادرة على الايفاء بالتزامات السحب الكبيرة لتشغيل احتياطياتها في تمويل عجز الموازنة , علما بأنه سيكون من المتعذر اللجوء الى القروض الخارجية لتلافي مثل هذه الحالات المحتملة لان مشروع الموازنة قد طرق جميع ابواب الاقتراض الخارجي .