التوظيف الإنتهازي للدين أو المتاجرة بالدين مفردات تعبر عن ظاهرة خطيرة تعرضت لها جميع الديانات السماوية وقد تحدث عنها القرآن الكريم وحذر منها ونهى عنها في موارد كثيرة منها قوله تبارك وتعالى: إشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَن سَبِيلِهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، (9)، التوبة، وقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)، آل عمران.
وبالرغم من ذلك إلا أن تلك الظاهرة بقيت حاضرة وبقوة وفي مستوى تصاعدي من التفنن والدهاء والخداع والقباحة وتعدد الصور في تطبيقها وتمريرها، من اجل تحقيق المكاسب الشخصية كالجاه والسلطة والمال وغيرها…
يعتبر الخط الأموي بقيادة معاوية أول من أسس ونظَّر وفعَّل وكرَّس ظاهرة توظيف الدين والمتاجرة به في العالم الإسلامي، من خلال وعاظ السلاطين المنعمين في بلاطه، لتثبيت ملكه وتمرير السياسات التسلطية والقمعية والإقصائية والفاسدة… التي كان يمارسها، وعلى هذا النهج سار المارقة أئمة التيمية الذين يمثلون الامتداد الحقيقي للنهج الأموي،
ولقد بلغت هذه الظاهرة ذروتها وأبشع تطبيقاتها وأقبح صورها في عصرنا هذا، بحيث صار الدين آلة وسلم للوصول إلى السلطة والسلب والنهب والقتل والترويع والتهجير، وسلب الحقوق وقمع الحريات وتخريب الأوطان، وتصفية الخصوم وخصوصا القيادات الرسالية الإصلاحية، وأداة لبث روح التطرف والفرقة وتمزيق المجتمعات، وفتيلا لإشعال الفتن والإقتتال الطائفي، وأفيونا لتخدير الشعوب وتجهيلها والتحكم بتفكيرها وسلوكها ومواقفها ومن ثم تحريكها بما ينسجم ومصالح الأنظمة الجائرة ووعاظ السلاطين المتلبسين بالدين، وفي ظل تفشي هذه الظاهرة وسيطرتها وجهل الشعوب انقلبت الموازين رأسا على عقب صار المعروف والخير والإعتدال والسلم منكرا ومثلبة وجريمة!!!، وصار المنكر والشر والتطرف والحقن الطائفي والتكفير والقمع والتهميش وسلب الحقوق وقمع الحريات ونهب الأموال ودعم الفساد والمفسدين والسكوت عنهم ومحاربة المصلحين وقتلهم كما قتل الحسين عليه السلام بفتوى صدرت من السلطة الدينية الإنتهازية المتمثلة بشريح القاضي آنذاك، صار ذلك معروفا ومنقبة ووسام…!!!.
حول هذه الظاهرة تحدث الأستاذ المحقق الصرخي في المحاضرة الخامسة والأربعين من بحثه: وقفات مع توحيد ابن تيمية الجسمي الأسطوري في تعليق له على ما ينقله ابن الأثير من الأحداث ومجريات الأمور في بلاد الإسلام المتعلّقة بالتَّتار وغزوهِم بلادَ الإسلام وانتهاك الحرمات وارتكاب المجازر البشرية والإبادات الجماعية، في الكامل10/(260- 452) حيث قال المحقق:
(( هذا هو الابتلاء الذي ابتلي به المسلمون، يُستغل الدين ويُوظّف ويُؤدلج لصالح المنافع والمكاسب والأموال والسلطة والجاه، منذ الدولة الأمويّة وتسلّط معاوية، فأصبح الدين آلة ووسيلة لفساد وإجرام وسرقة وإفساد الحاكم، وبعد هذا قفلوا وحجّروا العقول كما هو المنهج التيميّة الآن، لاحظ: ملك التتار كشلي خان عنده أخلاقات الحرب والمعركة فيستحي ويخجل أمام الناس والأتباع من الغدر وفعل اللصوص فهو قائد وسلطان وله خصوصيّة وأخلاقيات ورجولة وكرامة وبطولة وشجاعة لكن كلّ هذه مفقودة عند سلاطين المسلمين!! لماذا؟ لآنّ عقول الناس قد حُجّرت، فقد حَجّر عليها ابن تيميّة والمنهج التيميّ فكل الأفعال المنافية للشرع والأخلاق والإنسانية تكون مبررة ومشرعنة ومفخرة وكرامة لفاعلها!!! لا يوجد عندهم ضابطة، الآن كل ما يفعله الدواعش المارقة هو مقبول وممدوح وواجب من مشايخ المسلمين المدلّسة أتباع ابن تيميّة، لكن فقط عندما تمسّهم النار ويحصل فيهم القتل يكون عندهم ردة فعل محدودة تجاه الجريمة التي تقع عليهم!!)).