19 ديسمبر، 2024 12:46 ص

توصيف الاحتلال الأمريكي للعراق ما بين اللغة والتطبيق!!

توصيف الاحتلال الأمريكي للعراق ما بين اللغة والتطبيق!!

اثار استاذ العلوم السياسية في الجامعة الامريكية في السليمانية، الدكتورعقيل عباس، خلال مناقشة على منصة “واجهة الاخبار”على احجية لغز تعريف كلمة ” الاحتلال ” ما بين إيجابية الاستخدام اللغوي الإنكليزي وسلبية الاستخدام في اللغة العربية ، بمعنى اخر لم يكن قرار مجلس الامن الدولي بوصف الاحتلال الأمريكي للعراق سلبيا بالمطلق بل لصالح الشعب العراقي كما يقول الدكتور عباس، الامر الذي اثر شهية الاستزادة عندي لمعرفة حقيقة ذلك لاسيما وان ارتبط بقرارات مجلس الامن التي ترفضها إسرائيل باعتبارها دولة احتلال للأراضي الفلسطينية .

مفهوم الاحتلال في البناء اللغوي العربي يعني ((دُخُول البلاَدِ والاسْتِيلاَءُ عَلَى أرَاضِيهَا قَهْراً وَغَزْوًا)) مثال ذلك القول ((ارتكبت قوّات الاحتلال الأمريكيّ مذابح (=مجازر) عشوائيّة بحقّ المدنيّين العراقيّين العزّل))، هكذا تترجم الموسوعات اللغوية العربية مضمون وتطبيق كلمة الاحتلال، لكن الدكتور عباس وبعض زملائه لا يجدون غضاضة في معنى الاحتلال لأنهم يعتمدون ثقافتهم الإنكليزية على مضمون الأعراف والتقاليد والموروث في تفسير حتى معاجم اللغة العربية لهذه الكلمة.

واقع الحال لست بالضد من تفسير مقابل لكلمة “الاحتلال ” حيث يعتمد موقع الصليب الأحمر الدولي لتعريفها على نص المادة 42 من لائحة لاهاي لعام 1907 على ما يلي “تعتبر أرض الدولة محتلة حين تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدو ولا يشمل الاحتلال سوى الأراضي التي يمكن أن تمارس فيها هذه السلطة بعد قيامها” ويوضح ذلك بما نصت عليه المادة الثانية المشتركة من اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 على أن هذه الاتفاقيات تسري على أي أرض يتم احتلالها أثناء عمليات عدائية دولية. كما تسري أيضًا في الحالات التي لا يواجه فيها احتلال أرض دولة ما أي مقاومة مسلحة.

لذلك يقع على سلطة الاحتلال التزام باحترام حقوق سكان الأراضي المحتلة والمبينة بشكل مفصل في اتفاقية جنيف الرابعة والمكملة بأحكام البروتوكول الأول لعام 1977 مع التزامها ومراعاتها قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان ( 44 ) ولنا في قرارات مجلس الأمن وما اتخذ بشان العراق إذ استنادا إلى الفصل السابع بخصوص العراق بعد خضوع أراضيه جميعا للاحتلال بعد انتهاء الحرب عليه في 9/4/2003 فقد أكد القرار على سيادة العراق وسلامته الإقليمية وبان سيادة العراق تكمن في دولة العراق ، كما شدد على الطابع المؤقت لإضلاع سلطة التحالف المؤقتة ( سلطة الاحتلال ) بالمسؤوليات والسلطات والالتزامات المحددة بموجب القانون الدولي المنطبق والمعترف بها والمنصوص عليها في القرار الصادر من مجلس الأمن المرقم ( 1483 ) وستنتهي عندما يقيم شعب العراق حكومته ممثله بالشعب معترف بها دوليا . وهذا تأكيد على أن الاحتلال لا ينقل السيادة بل تظل كامنة في الدولة ذاتها التي وقعت تحت سيطرة الاحتلال وان وضع الاحتلال مهما طال زمنه يبقى مؤقت، ولا يخول سلطات الاحتلال إلا مباشرة عدد من المسؤوليات المبينة في القانون الدولي وبخاصة ذلك النوع الذي ينظم أوضاع الاحتلال فبين الحقوق والواجبات، وهذا ما رفضت ان تفعله قوات الاحتلال الإسرائيلي في الاراضي الفلسطينية ما بعد نكسة حزيران 1967.

بعد إيضاح الجوانب اللغوية في التطبيق، لابد من التوقف عند الجانب القانوني الدولي الذي يفرضه توصيف الاحتلال الأمريكي على العراق ويتمثل اعلان الرئيس بوش الابن نهاية لحرب على العراق والفشل في العثور على أسلحة الدمار الشامل التي كانت المنطلق للدفع القانوني بوجوب استخدام القوة العسكرية لإسقاط نظام صدام انما تتطلب أساسا إعادة الأمن والنظام إلى البلاد، إعادة بناء وإعمار العراق ، مساندة الشعب العراقي في إقامة نظام حكم للشعب وبالشعب ومن أجل الشعب، وهو ما سيستغرق وقتا طويلا، ولن تستكمل المهمة إلا بعد أن يكون العراق حرا وديمقراطيا!

عن هذه المسؤولية الدولية المترتبة على احتلال العراق ، يقول الدكتور إبراهيم خليل من جامعة الموصل في مؤلفه المنشورعلى صفحات مجلة الرافدين لكلية الحقوق في جامعة الموصل 2012 ما نصه ((تعدّ المسؤولية محوراً لأي نظام قانوني، إذْ يُمكن لها أن تكون أداةً لتطوير قواعده بما تكفله من ضمانات ضدّ التعسف ولتتحول من كونها قواعد نظرية إلى التزامات قانونية. وفي مجال القانون الدولي، فإنّ المسؤولية ترتبط بحالات الإخلال بالالتزامات التي يفرضها القانون الدولي على أشخاصه، سواءً تلك المُتعلقة بالقواعد العامة أم المُتعلقة بقواعد القانون الدولي الإنساني، وهو مَناط بحثنا في مسؤولية الدول القائمة باحتلال العراق، إذْ أنّ هناك تعدّداً لنطاق مسؤوليتها الدولية، يتعلق الأول منها: بمسؤوليتها عن الاستخدام غير المشروع للقوة ومن ثمّ الاحتلال طبقاً لقواعد القانون الدولي العام، والثاني: بمسؤوليتها عن الانتهاكات التي حصلت في العراق على وفق قواعد القانون الدولي الإنساني، ومن ثم إمكانية تلمس الآليات القانونية الدولية المتاحة لتنفيذ هذه المسؤولية وماهيّة العقبات التي تعترضها))

كما يرى كل من الباحثين عبدالمجيد عبدالهادي السعدون، محمد يونس الصائغ في بحثهما المعنون ((مسؤولية الأمم المتحدة الدولية عن الغزو الانكلو امريكي للعراق واحتلاله)) ما نصه ((عرف القانون الدولي المسؤولية الدولية الجنائية وبدأت مع ذلك اولى صور المحاكم الدولية لمحاكمة مجرمي هذه الحرب ولقد استقر هذا التطور في احكام المحاكم الدولية في نورمبرج وطوكيو . ثم قننت في اتفاقيات اعتمدتها لجنة القانون الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة)) وتضيف الدراسة المنشورة في مجلة جامعة تكريت عام 2009 ((ولقد لقيت المسؤولية الجنائية الدولية دعما قويا ان عاش المجتمع الدولي فترة عصيبة شهدت جرائم ضد الانسانية وابادة الجنس البشري في اجزاء كثيرة من العالم، كان حظ بعضها افضل من الاخر. عندما صاحب الفئة الاولى انشاء محاكم دولية لمحاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم بقرارات مجلس الامن كما سارت الامور بالنسبة لجرائم حرب الصرب في كوسوفو وجرائم الحرب في ورواندا .. الخ . اما البعض الاخر والاشد وطأة فقد تم التعتيم عليها ومحاولة طمسها بمساعدة من الولايات المتحدة الامريكية. كما هو الحاصل بشأن الجرائم الجسيمة التي ارتكبتها اسرائيل منذ نشأتها وهو ما يزعج ذوي الضمائر الحية في العالم. ومن امثلة ذلك الى موقف كوك الوزير البريطاني الذي استقال من الوزارة البريطانية احتجاجا على الغزو الأانكلو-امريكي للعراق)).

فيما واقع الحال بعد 19 عاما على هذا الغزو يقع العراق في مستنقع اللادولة، من دون سيادة حقيقية، بعد ان حولته القوى الإقليمية والدولية الى ساحة لتصفية الحسابات ما بين واشنطن وطهران من جهة وتركيا وحزب العمال المعارض من جهة أخرى، وتهديدات بعودة ظهور الإرهاب الداعشي بعد ان واجه إرهاب تنظيم القاعدة ،الذي اتهمت به سوريه والوهابية الخليجية لكن سرعان ما تحول نظام بشار الأسد الى حليف استراتيجي فيما ظلت دول الخليج العربي في خانة الأعداء على الرغم من التفاوض السعودي الإيراني المفترض ان يكون العراق الوسيط الأبرز في اعماله .

فما هو نوع الالتزام بالقانون الدولي لتعريف مصطلح الاحتلال ونتائجه، ربما يقول قائل ان النتيجة الأفضل في الاحتلال الأمريكي التخلص من نظام صدام وفشله المتكرر في حروب اهلكت الزرع والضرع في عراق الثمانيات والتسعينات من القرن الماضي، لكن هل صرفت أموال النفط التي تجاوزت ترليون دولار خلال الأعوام الماضية نهوض العراق اقتصاديا ومجتمعيا واحتل موقعا مرموقا في قائمة الدول التي تعتمد أهداف التنمية المستدامة 2030؟؟

الجواب واضح، مجرد انتقال من سيء الى الأكثر سوءا، فاذا كان وزراء وقادة رأي في بريطانيا والولايات المتحدة وقوفا ضد هذا الاحتلال فضلا عن صدور تقرير شيكليوت البريطاني الذي ادان هذا الاحتلال، فما بالنا نبرر الاحتلال الأمريكي للعراق، كونه المسبب بما انتهى اليه وضع عراق اليوم الى عوائل مفاسد المحاصصة وسلاطين مافيات المخدرات والجريمة المنظمة، اليس ذلك نتيجة الوجود الأمريكي في عراق ما بد 2003 ام لا ؟؟ سؤال يحتاج الى إجابات واقعية من قبل الأكاديميين العراقيين.. ويبقى من القول لله في خلقه شؤون !!ِ