اثناء مشاركتي في أعمال المؤتمر العالمي الرابع لمترجمي الادب في موسكو ( من 8 الى 11 ايلول / سبتمبر – 2016 ) , والذي انعقد برعاية معهد الترجمة الروسي , استلمت كتابا ضخما بالروسية عنوانه – (عوالم الترجمة الادبية ) , و يقع في( 591) صفحة من القطع الكبير , ويضم الكلمات والابحاث كافة التي القيت في المؤتمر الثالث لمترجمي الادب , والذي انعقد بتاريخ ( 4 الى 7 ايلول / سبتمبر – 2014 ) ( انظر مقالتنا بعنوان – المؤتمر العالمي الثالث للترجمة الادبية في موسكو ) , ووجدت في هذا الكتاب كلمتي , التي القيتها بالروسية آنذاك في المؤتمر الثالث هذا , وهي بعنوان – (تورغينيف بالعربية في اعمال المترجمين العراقيين ) , و اقدم فيما يأتي خلاصة وافية لتلك الكلمة للقراء , واضيف اليها مضمون تعقيب د. الميرا علي زاده من معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم الروسية حول تلك الكلمة وجوابي بشأنه .
أشرت في بداية كلمتي الى خمسة مترجمين عراقيين كبار ارتبط اسمهم بترجمة نتاجات تورغينيف الى العربية , وقلت , ان احدهم لازال حيا ويمارس الترجمة لحد الان , وهو المترجم الكبير الاستاذ خيري الضامن , اما الاربعة الاخرون فقد رحلوا, وان واحدا منهم كان يترجم عن اللغة الفرنسية والاخر عن اللغة الانكليزية , اما الثلاثة الاخرون فعن اللغة الروسية . المترجمون هؤلاء وحسب تسلسل الحديث عنهم في تلك الكلمة هم كل من – د.اكرم فاضل وذو النون ايوب وغائب طعمه فرمان وخيري الضامن وأ.د.حياة شرارة . توقفت تفصيلا عند رواية تورغينيف – ( الاباء والبنون) , التي ترجمها عن الفرنسية د.اكرم فاضل وعن الانكليزية ذو النون ايوب , والتي صدرت في بغداد عام 1950 , وأشرت الى انها اول ترجمة عربية لهذه الرواية , واننا يجب ان نتحدث عن تلك الخطوة الرائدة ( والمنسية مع الاسف في الوقت الحاضر) في تاريخ العلاقات الادبية والفكرية بين روسيا والعالم العربي , واشرت الى ردود الفعل التي ظهرت في بغداد آنذاك تجاه هذه الرواية , وتوقفت عند اطروحة الماجستير التي تم انجازها في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد حول هذه الرواية باقتراحي واشرافي العلمي ( انظر مقالتنا بعنوان – اطاريح الماجستيرالتي أشرفت عليها). ان صدور رواية تورغينيف هذه في بغداد بعد 88 سنة من صدورها في روسيا يعني عدم وجود (جسر فكري ) بين العالم العربي وروسيا – هذا هو الاستنتاج الاول الذي وصلت اليه في كلمتي تلك , وتوقفت طويلا عنده , وأشرت الى اننا لم نستطع ولحد الان ان نقيم هذا الجسر , بل و لم نستطع حتى ان نردم هذه الهوة الفكرية بين روسيا والعالم العربي , وكلانا ( العرب والروس ) نتحمل مسؤولية ذلك , واقترحت ان نبدأ ولو بالخطوة الاولى في طريق الالف ميل هذا, وذلك باصدار مجلة دورية ( ولتكن فصلية في البداية ) باللغة العربية في موسكو , ولتكن تسميتها مثلا – (اخبار الادب الروسي ) او اي تسمية آخرى , وذلك كي تنقل للعرب ما يحدث في الساحة الادبية الروسية , وضربت مثلا بلندن التي اصبحت الان واحدة من المراكز المهمة في عالم النشر العربي , وتمنيت ان تحذو موسكو حذوها بالتدريج , اذ ان كل المؤهلات موجودة بشكل او بآخر في العاصمة الروسية الان , بما فيها الكوادر العربية العلمية والمؤهلة لتنفيذ هذه الخطوة.
انتقلت بعد ذلك الى المترجمين الآخرين , وتوقفت اولا عند غائب طعمه فرمان ودوره المتميز في تاريخ ترجمة الادب الروسي الى العربية , وتحدثت عن ترجماته لابداع تورغينيف بالذات هنا , وارتباط اسم هذا المبدع العراقي الكبير بالمؤلفات المختارة بخمسة أجزاء , والتي صدرت بموسكو عن دار نشر (رادوغا)( قوس قزح) السوفيتية في ثمانينات القرن العشرين ( والتي بدأت دور النشر العربية الان اعادة اصدارها ) , واقترحت على المؤسسات الاكاديمية العربية والروسية دراسة هذه الترجمات ضمن اطاريح خاصة تتناول اسلوب الترجمة لدى غائب طعمه فرمان ومقارنتها بالترجمات العربية الاخرى من اجل اغناء مثل هذه الدراسات الاكاديمية المقارنة والتعمق فيها ( انظر مقالتنا بعنوان غائب طعمه فرمان و تورغينيف ) . انتقلت بعدئذ الى خيري الضامن وترجمته الجديدة لرواية تورغينيف – (الاباء والبنون) ضمن المؤلفات بخمسة اجزاء لتورغينيف التي أشرنا اليها اعلاه ( والتي تعد افضل الترجمات العربية لهذه الرواية ) ( انظر مقالتنا بعنوان – خيري الضامن و تورغينيف و دستويفسكي), وأشرت الى ان هذه الرواية قد تم ترجمتها الى العربية عن الفرنسية والانكليزية والروسية من قبل المترجمين العراقيين اكرم فاضل وذو النون ايوب وخيري الضامن على مدى الثلاثين سنة في النصف الثاني من قرننا العشرين , وان هذه الحقيقة هي مدعاة للفخرلدى المثقفين العراقيين , وتمنيت ان يقوم الباحثون الشباب ( العرب والروس ) بدراسة هذه الجهود الترجمية العراقية في بحوثهم واطاريحهم . انتقلت في نهاية الكلمة الى أ.د. حياة شرارة والدور الكبير الذي أدٌته في مجال الترجمة من الروسية الى العربية واصدارها لثلاثة اعمال من تاليف تورغينيف وهي – ( مذكرات صياد ) و(رودين ) و (عش النبلاء), ودعوت في نهاية كلمتي المتخصصين الروس والعرب الى التوقف بشكل اعمق واوسع عند ابداع تورغينيف المتنوع من قصائد نثر ومسرحيات وروايات ورسائل .
بعد انهاء كلمتي طلبت الكلمة د. الميرا علي- زاده من معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم الروسية ( مؤلفة كتاب الادب الروسي والعالم العربي)( انظر مقالاتنا الخمسة حول هذا الكتاب بعنوان – العراقيون في كتاب الادب الروسي والعالم العربي ). أشادت السيدة الميرا بالكلمة , واشارت الى انها قد نشرت بحثا قبل فترة حول ترجمات تورغينيف الى العربية في البلدان العربية واشارت الى بعض هذه الاسماء طبعا , الا انها اعترضت على عدم ذكر اسم الكاتب العراقي محمود احمد السيد ضمن اسماء المترجمين العراقيين , وانها تعتبره (اول مترجم لنتاجات تورغينيف في العراق ). اوضحت للسيدة الميرا , اننا في العراق نعتبر الكاتب محمود احمد السيد واحدا من رواد الادب في العراق الحديث وانه يعد فعلا من اوائل الذين تكلموا عن اهمية الادب الروسي , ولكنه لم يكن مترجما لهذا الادب وانما قدٌم خلاصات مختصرة جدا لمضامين بعض تلك النتاجات ونشرها في مجلات خارج العراق, وان التلخيص الوجيز لتلك الاعمال الادبية لا يعتبر ترجمة لها بتاتا , على الرغم من اهميتها في مجال تعريف القارئ العراقي ببعض اعلام الادب الروسي في تلك الفترة المبكرة جدا من تاريخ الادب العراقي, واختتمت جوابي قائلا , ان القارئ العراقي لا يعرف في الوقت الحاضر حتى تلك الخلاصات المبسطة التي قدمها السيد آنذاك.