19 ديسمبر، 2024 12:00 ص

توالــد الأعـــداء

توالــد الأعـــداء

منذ بدأ الوعي يدب إلى عقلي وكلمات جدي وأبي. والشعارات التي كانت ترفع على جدران المدارس والدوائر وفي الساحات العامة ومفارق الطرق من قبل الأحزاب التي لم أنتمِ إليها… تلك الشعارات البراقة والكلمات المفعمة بالعداء والشحن العاطفي… حتى غدت تعيش فينا وننتمي إليها. وتركنا كل حاجاتنا الأساسية لتغدو من الكماليات التي لا مبرر لطرحها.
 المهم والأهم هو تلك الكلمات والشعارات ومفادها أن العرب ليس لديهم سوى الصهيونية عدو ودولة إسرائيل يجب أن نرميها في البحر…؟!
 وفي المراهقة كنت أعشق فتاة.. أهرب من قراءة الشعارات، لأقرأ آيات الحب في عينيها..
ومرت الأعوام، وظهر عدو جديد من الشرق وآخر من الشمال وربما من الغرب والجنوب…
 وعبرنا الدول والبحار والمحيطات. لنجد عدو جديد يترصد بنا شراً، ويحيك الدسائس والمؤامرات. ويرسل إلينا المشاكل. وينشر التخلف والأمراض والبطالة. ويصنع العملاء والقتلة والمأجورين. ويصدر إلينا صواريخ الحقد وقنابل الموت. ويسرق نفطنا وخيراتنا وعقول الأذكياء منا؟!
 إنه عدو حضارتنا وموروثنا وديننا وفنوننا والآداب التي نفتخر بها. لأننا لا نملك غيرها فهي رصيدنا الآن وفي المستقبل الذي نتمنى ولا غير.. أن يكون مثل ماضينا الذي نتغنى به. فهو يشبه شعاراتنا التي كنت أراها على الجدران قبل بضعة عقود، لتظهر ثانيةً بعد كل هذه السنين على تلك الجدران التي آلت إلى السقوط، ولكن لعدو آخر وبكلمات منمقة جديدة ومعاني تلتقي مع الأولى لأحزاب وحركات وتجمعات قديمة وحديثة، ليس لديها رصيد غير تلك اليافظات التي أقرأها، وقد أفرغت من محتواها. لأن أعداءاً جدد ظهروا بيننا..
– الذي سرق المال العام، ويجلب محطات الكهرباء التي أصابها الاندثار من بلدان أخرى. ويترك الناس تتعذب بلهيب الصيف، ويتسبب بتأخير الصناعة والزراعة والتعليم، هو عدو.
– من يقطع الماء عن الأنهار والأهوار والبحيرات ليجعل الأرض يباباً، لا زرع فيها ولا حياة، لا أسماك، لا طيور، لا أشجار ولا زهور.. يقينا أنه عدو.
– من ينشر الرعب والخوف ويفجر المفخخات والعبوات الناسفة ويقتل الأبرياء. إنه عدو.
– صناع الفتنة والفرقة والشقاق تحت غطاء الدين وبسبب النفاق. هو عدو.
– الذي يترك الفقراء يجوسون في الشوارع ويفترشون الأرض التي تكاد أن تنفجر، بسبب الذهب الأسود الذي يمور فيها. هو عدو.
– الذي يدعنا نتنفس الغبار والتراب والهواء الملوث جراء تردي الخدمات. وأثر الأسلحة الملوثة باليورانيوم المنضب. هو عدو.
– سارق العمر، وأحلى السنوات التي ضاعت في حروب عبثية، وشعارات سخيفة، وكلمات وخطابات تافهة واجتماعات وندوات تصب في خدمة السلطة والسلطان. هو عدو.
 كثر الأعداء، حتى تخيلت أنني عدو نفسي..
غير أن تلك الفتاة التي عشقتها في مراهقتي.. وظلت راسخة في كهولتي. لم أزل أعشقها لأنها الصورة الأحلى والأبهى التي أتخلص من خلالها. لأهرب شحاذاً ناجياً ببقايا الحب والأيام.