تَهبّ على بلداننا العربية عواصف رملية وترابية وجرادية , وقد تعوّدت الأجيال على هذه العواصف , لكنها وفي عام 1991 تعرّفت على عاصفة جديدة لم تعهدها من قبل سُميت (عاصفة الصحراء) , التي إجتمعت فيها الدول العربية مع تحالفات دولية بقيادة القوى العظمى , وصبّت غضبها المعتق في أقبية النفوس على بلدٍ إسمه العراق , حتى حذفو راءه , وأزالوا جميع بنيته التحتية , ودمروا ما بناه منذ تأسيس دولته في الربع الأول من القرن العشرين , أي أنها إقتلعت ما شيدته الأجيال العراقية على مدى سبعين عاما , وبسبب ما أوجدته تلك العاصفة من صيرورات وصياغات وتطورات وتحولات , أخذت البلد إلى ما أصابه في عام 2003 وما جاء بعده , وما جرى في المنطقة من ويلات.
فالعرب يتحالفون مع بعضهم ضد أحدهم , ومن الصعب عليهم أن يتحالفوا ضد عدو خارجي أو تهديد غير عربي , وهم على إستعداد لتحويل بلدانهم لسوح صراعات وحروب يجني ثمارها أعداؤهم أيا كان نوعهم.
فالعرب لم يستخدموا أسلحتهم إلا ضد أنفسهم !!
فعلى مدى نصف قرن وكل ما يكدسه العرب من أسلحة وأعتدة تُستخدم لمقاتلة العربي , بعد أن يتم تسميته وتحديده كهدف , وفقا لما تنتجه مختبرات التسميات والتوصيفات التي تبدع في إختيار الإسم بدقة , وإقرانه بما يبرر محقه وتدميره بشراسة وعدوانية لا مثيل لها , لأن التسمية أيا كانت لا بد أن تقرن بما هو بشع وآثم ومروع يؤثر في العواطف , ويثير نوازع النفوس ويؤججها لدرجة فقدان البصيرة , والتحول إلى دمية سلوكية بقيادة الإنفعالات المهيمنة على جميع الحواس.
فالعرب يُقتلون في البلدان العربية , ولكل منهم مُسمى يوجب قتله وتدمير بلاده وقوتها العسكرية.
وما حصل في بلاد العرب بعد عاصفة الصحراء قبل ربع قرن , جنى العرب مراراته وتداعياته وخسروا الكثير جدا من قدراتهم وثرواتهم وطاقاتهم.
واليوم إنطلقت عاصفة أخرى , يُخشى أن تكون أعتى من سابقتها , وقد تأخذ العرب إلى حالة جديدة من التداعيات التي ستتجاوز الربع قرن من الويلات والخسائر , ولربما ستتحول فيها سوح الحروب العربية إلى مختبرات لتجربة الأسلحة الجديدة , التي لا تنفك مراكز البحوث من إنتاجها وتطويرها وتحتاج لميادين لإختبارها , وما أسهل الساحات العربية لإختبار الجديد من الأسلحة.
عاصفة تحمل شعار التوحد العربي أو بناء القوة العربية الواحدة , وهذا حلم لا يُسمح به على الإطلاق , ومعنى هذا أن لا بد من إشعال حروب متواصلة لإستنزاف هذه القوة العربية الجديدة وإنهاكها تماما والتخلص من شرها , أي أن ذلك يعني المزيد من المشاكل الحربية العربية , ولن تنجو أية دولة من هذا المصير مهما توهمت , فالدول العربية بأسرها هي سوح وغى , وجيوشها لن تكون إلا لمقاتلة الشعب العربي!!
لنترك الأيام تجيب على ما تقدّم , وربنا يستر العرب مما هو آتٍ ومُصنّع في كواليس المصالح ومشاريع ما خفي أعظم , فالمطلوب بلدان عربية حنيذة على موائد المطامع الغابية الشرسة الفتاكة.
فهل أنها عاصفة ضيمٍ على ضيمٍ يَقيدْ؟!!