الإرهابُ هو أداة أو وسيلة لتحقيق أهداف سياسية ، سواء كانت المواجهة داخلية بين السلطة السياسية وجماعات معارضة لها ، أو كانت المواجهة خارجية بين الدول . فالإرهاب هو نمط من أنماط استخدام القوة في الصراع السياسي ، حيث تستهدف العمليات الإرهابية القرار السياسي ، وذلك بإرغام دولة أو جماعة سياسية على اتخاذ موقف مرضٍ لمآربها ، وإلاّ ؛ فتستمر بالعمليات الإرهابية .(1)
والحالة هذه ؛
فإني لم أرَ أدقَّ و أبلغَ وأشملَ من هذا الإيجاز عن الإرهاب من خلال قراءاتي كافة ، لذا أرى أن أتناوله تناولاً متسلسلاً وأطبّقه على واقعنا المعاش .
إنَّ المتتبع لأحداث العالم ، وما عانته البشرية من أذى متلاحق ، بسبب الإرهاب ، لم ولن يذعن يوماً إلى أيِّ تبرير يبرئ العمليات الإرهابية .. أينما حدثت .
فالإنسانُ هو الإنسانُ في أيِّ مكان ، والجريمة هي الجريمة في أيِّ زمان ، عليه ؛ فإنَّه أينما حصل عمل إرهابي ـ على ضوء المعاني التي تناولتها مقدمة هذا المقال ـ يفرض علينا فهماً مشتركاً واضحاً نتخذه معياراً لوصف الإرهاب من خلال ممارساته الإرهابية ، لا من خلال وصف من لا معيار لديهم غير الحقد والكراهية الناجمة عن تقاطع المعنى مع واقعهم وتوجهاتهم اللاإنسانية مرّة ، وتقاطعه مع مصالحهم الغير معلنة مرّة أخرى .
فالإرهابيون جماعة سياسية منظمة تنفذ عملاً تخريبياً يقصد تدمير الكيان السياسي للحكومة أو سلطة أو نظام أو دولة أو منظمة دولية ، الغرض من هذا العمل التخريبي هو إنهاء الحضور السياسي لهذا وذاك ، لأجل استبداله ببديل آخر يخدم مصالح الجماعة ويعطل مصالح القائمين فيه .
عليه ؛ فعندما يأتي العمل التخريبي منفذاً تدمير التدمير ، سوف لا يعد عملاً إرهابياً ، مالم يكن قد عبر على الوسائل السلمية المتاحة كافة . أما عندما يأتي منفذاً تدمير الإصلاح ، هو بكل تأكيد يعد عملاً إرهابياً .
من هنا ؛ لابد لنا أن نميّز بين العمل النضالي أو الجهادي الذي يهدف إلى تدمير التدمير لأجل تأهيل الواقع الصالح ، وبين العمل التخريبي الإجرامي الذي يهدف إلى قتل الأبرياء وسبي الأناس الآمنين وحرق الحرث والنسل دون رحمة ولا هوادة ، فإن هذا يعد جريمة كبرى بحق البشرية ، وعلى جميع الخيرين محاربتها بالسيف والقلم .
ما قام به الأتراك حيال الأرمن ، وما قامت به روسيا حيال القوقاز ، وما قام به ألمانيا و بريطانيا في الحربين العالميتين الأولى والثانية من جرائم حرب حيال الشعوب ، وما قامت به الولايات
الأمريكية حيال اليابان وفيتنام ، وما قام به الصرب حيال مسلمي البوسنة والهرسك ، وما قامت به إسرائيل حيال الفلسطينيين في دير ياسين وفي صبرا وشاتيلا ، وما قام به صدّام حيال الشعب الإيراني المسلم في غزو الجارة الجديدة واستخدام الأسلحة الكيميائية ، وما فعله حيال الكورد في حلبجه وفي الجنوب والكويت ، وما قام و يقوم به تنظيم القاعدة من عمليات إجرامية في أمريكا و أوروبا و آىسيا حيال الشعوب الآمنة المسالمة ، وما يقوم به داعش حيال المسلمين والعلويين والمسيحيين في سوريا و الأيزيديين والمسيحيين والشيعة في العراق ، وما تقوم المملكة السعودية حيال اليمنيين ، وما تقوم به حكومة البحرين حيال أغلبية شعبها .. كلها جرائم منظمة مقصودة .. منفذة مع سبق الإصرار والترصّد ، ولم تأتِ عن خطأ يبرره التاريخ أبدا .
لقد فَجَعَتْ إسرائيلُ شعبَنا العربي الفلسطيني من خلال احتلال الأرض وحرق من عليها عام 1948وما بعده بمساعدة المملكة المتحدة و الولايات المتحدة .. تماماً مثلما فعل صدّام في حلبجه عام 1988. فعندما سكت العالم على هذه العمليات الإرهابية ، وساند العدوان ، إنقلبَ عليه .. وهنا يحضرني قول لآية الله الخميني زعيم الثورة الإسلامية في إيران ، عندما خاطب الحكومة الكويتية في الحرب العراقية ـ الإيرانية (لا تساندوا العدوانَ فينقلبْ عليكم !) ، ومن ثم أنقلب عليهم فعلاً !!!
فالإرهاب الذي يقلق الغرب اليوم هو إرهابٌ كانت له جرائمه بمنطقتنا ومنطقتهم من هذا العالم .. سكتوا عليه .. أيّدوه .. أسّسوه ؛ كلها أمور لا تعنيني استخبارياً ، مالم أعززها بالمستمسكات الثبوتية ، لكن الذي أصرُّ عليه هو ما أشار إليه الزعيم الإيراني الراحل !
لو كان العالم قد وقف بوجه العثمانيين عندما أرهبوا الأرمن ..
لو كان العالم قد وقف بوجه الروس عندما أرهبوا القوقاز ..
لو كان العالم قد وقف بوجه الإدارات الألمانية و الإيطالية والبريطانية والأمريكية وهي ترهب من تولت شأنهم ، لما وصل الإرهاب إلى عالم اليوم !
الشعوب التي تناضل اليوم من أجل رفع الاستغلال عنها ، وتحرير أوطانها من الغازي والمحتل ، أو مسك أراضيها المحررة بالتضحيات .. كما في جنوب لبنان بالمقاومة الشريفة لحزب الله ، من حقها أن تقوم بأية عملية جهادية أو نضالية .. في أيِّ مكان من العالم ، ومهما كانت دموية وفتك هذه النوع من العمل لا يمكن أن يسمّى عملاً إرهابياً بمنطق الحقّ و الإنصاف ، وهو لا يشبه العمل الإرهابي الإجرامي الذي يقوم به الظلاميون والإجراميون والمستعمرون حيال الشعوب المتطلعة إلى الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة .
لا يصح أن تعقد المؤتمرات الدولية لتكرار خطأ مساندة العدوان من خلال إنكار الحقوق ومصادرة حريات الشعوب في آسيا وأفريقيا و أوروبا وأمريكا اللاتينية .. أو أي مكان من العالم .
على المنظمات الجماهيرية والإنسانية والمؤسسات الثقافية أن تنشر ثقافة التمييز بوعي بين الإرهاب و بين الجهاد أو النضال . فعندما تختلط المسميّات ترتبك المفاهيم ويشوبها اللغظ والإبهام ، بحيث تحار الشعوب بين تأييد الحقّ أو تأييد الباطل دون وجه حقّ .
والله من وراء القصد ؛؛؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د. عادل عامر ـ أسباب الإرهاب ـ جريدة المصريون