تسلّط المادّة (67) من الدستور العراقيّ الضوء على رمزيّة وأهمّيّة منصب رئيس الجمهوريّة، وبأنّه ” يمثّل سيادة العراق، واستقلاله، ووحدته، وسلامة أراضيه”.
ورغم هذه المظلّة (الدستوريّة) نجد أنّ هنالك من وجه خطاباً مليئاً بالتهديد والوعيد لرئيس جمهوريّة العراق برهم صالح!
كتائب “حزب الله” العراقي، هدّدت الثلاثاء، بطرد الرئيس صالح من بغداد، إذا التقى نظيره الأمريكيّ دونالد ترامب، على هامش منتدى “دافوس” بسويسرا.
وقال المسؤول الأمنيّ للكتائب أبو علي العسكريّ، في تغريدة على “تويتر”: “نشدّد على ضرورة التزام برهم صالح في عدم اللقاء بالأحمق ترامب، وزمرة القتلة التي ترافقه، وبخلاف ذلك سيكون هناك موقف للعراقيّين تجاهه، لمخالفته إرادة الشعب، وتجاهل الدماء الزكيّة التي أراقتها هذه العصابة، وسنقول حينها لا أهلاً ولا سهلاً بك، وسيعمل الأحرار من أبنائنا على طرده من بغداد”!
وبعد عدّة ساعات وجّهت مليشيا “النجباء”، تهديداً مماثلاً لصالح في حال التقى ترامب، وهذا ما قاله أيضاً قيس الخزعلي، زعيم مليشيا (العصائب)!
وسط هذه الأجواء المليئة بالتهديد والوعيد لرئيس الجمهوريّة التقى (صالح) بالرئيس ترامب، ولا ندري ما هو المصير المرتقب لرئيس الجمهوريّة بعد عودته لبغداد؟
أتصور أنّ هذه القوى المسلّحة الحاكمة في البرلمان والشارع ستسعى للضغط على (الرئيس صالح) لتقديم استقالته حتّى ينتهي دوره في اختيار رئيس الوزراء القادم بحسب الدستور!
يعيش العراق اليوم في حالة فوضى سياسيّة وأمنيّة وقضائيّة، وفي تأكيد لهذه الفوضى العارمة، نشرت وزارة الخارجيّة العراقيّة يوم الثلاثاء الماضي صورة جمعت وزير الخارجية محمد الحكيم، مع شخصيّات أخرى، وبحضور الفريق الركن جميل الشمري، المطلوب بتهم قتل عشرات المحتجّين في الناصرية جنوبيّ العراق!
فكيف يمكن أن يحضر الشمري محاضرة لوزير الخارجيّة ببغداد وهو مطلوب للقضاء بتهمة قتل مواطنين عراقيّين؟
آخر صور حالة الفوضى هي الفيديو الصادم الذي انتشر الأربعاء الماضي، وتضمن محاولة أحد أفراد المليشيات في البصرة خنق أحد جرحى المظاهرات الراقد في إحدى المستشفيات أمام أنظار المئات من المواطنين، ثمّ تركه ومضى أمام أنظار العشرات!
ولا ندري ما مصير الشابّ الجريح المخنوق؟
التهديدات لرئيس الجمهوريّة وللكثير من القوى السياسيّة والشعبيّة وحالة الفوضى الأمنيّة والسياسيّة تؤكّد أنّ المليشيات هي التي تقود العراق بدليل أنّ هذه المليشيات لو كانت جزءًا من الدولة، ضمن (هيئة الحشد) كما يدعون، لما تجرّأت على تهديد الرئيس وغيره، وهي تهديدات تشير إلى حالة تمرُّد علنيّ على (الدولة)!
فكيف نتصوّر أنّهم جزء من الدولة، وهم لا يحترمون الأنظمة العامّة، ويتصرّفون بشكل مغاير لخطاب الدولة السياسيّ العامّ؟
صور الفوضى المتداخلة أطّرتها مظاهرات اليوم الجمعة (المليونيّة) وهي في حقيقتها مناوئة لمظاهرات شباب العراق في بغداد ومدن الجنوب، وإن كانت في ظاهرها ضدّ التواجد الأجنبيّ في العراق، إلا أنّه خطط لها لتكون لصالح قوى إقليميّة خارجيّة، وفي مقدّمتها إيران التي يبدو بأنّها مصرّة على امتلاك العراق مقابل السكوت عن مقتل قائد فيلق القدس، قاسم سليماني!
مظاهرات الجمعة (المليونيّة)، حُسمت خلال ساعتين، وكانت غالبيّة شعاراتها تُندّد بالتواجد الأمريكيّ والإيرانيّ معاً، ممّا أجبر القائمين عليها لإنهائها لأنّها لم تمض وفقاً لخطّتهم المندّدة بالتواجد الأمريكيّ فقط!
حالة (التكاتف الغريب بين القوى الحاكمة) في العراق ضدّ المتظاهرين تؤكّد أنّهم مصمّمون على البقاء في الحكم، ولو على أطلال الدولة، وكلّ ما يشغلهم هو السيطرة على حدود المنطقة الخضراء ببغداد، ومراكز المحافظات، وما عدا ذلك يعدّ من الأمور الهيّنة المقبولة لديهم!
حالة الفوضى في البناء الهرميّ للسلطات، وضياع هيبة المناصب الرئاسيّة والبرلمانيّة والوزاريّة كلّها نتائج طبيعيّة لحالة الفوضى (الولائيّة) والسياسيّة التي أنتجت فوضى إداريّة وأمنيّة عارمة!
كلّ ما يجري يؤكّد أنّ صوت الرصاص أعلى من صوت القانون والمنطق!
وفعلاً كما يُقال: (وما خُفِي أعظم)!
وأتصور أنّ الظاهر من أشكال سياسة الفوضى المتنامية في العراق هو الجزء الأقل والأصغر مقابل المقدار الواقعيّ المخفيّ عن أنظار المواطنين وعقولهم!